ما ان أرى شجرة شامخة تنتصب وسط الأعاصير، وتغوص جذورها بين الصخور، حتى ينتقل ذهني مباشرة إلى قول مولاي الأمير (عليه السلام): "ألا وإنّ الشجرة البريّة أصلب عوداً والرواتع الخضِرة أرقّ جلوداً والنابتات العذبة أقوى وقوداً وأبطأ خموداً".
كانت تلك الكلمات النيرات ضمن رسالة كان قد أرسلها الإمام (عليه السلام) إلى عثمان بن حنيف وإليه على البصرة، ويا لها من كلمات ثرة، تنقل القارىء إلى آفاق رحبة، فيها للقلب والعين قرة، وكأنها تقول لكل من أراد أن يسلك الطريق إليهم، ويشد الرحال إلى رحابهم، ويعقد العزم على نصرتهم: كن كالشجرة البرية، ذات الأغصان العظيمة والجذور القوية، لا تهتز مع الريح، ولا تمل مع التيارات التي لا تفتأ تُهاجم الحق الصريح، بضلالات شؤمها القبيح.
كن قويًا وفي طريق الحق صلبًا أبيًا، لا تُساوم، لا تنحنِ، لا تُطأطئ الرأس، ولتكن في الله (تعالى) شديد البأس، ولكن اعلم أنّ من أراد هذا الطريق فعليه أن يوطّن نفسه للصعوبات، ومقاومة الألم والمعاناة، وتحدي المعوّقات، ومجابهة التحديات، فما كان طريق الحق يومًا مفروشًا بالزهور، وما كان الباطل ليدع المجال رحبًا أمام انتشار النور، فالصراع مستمر حتى يوم الظهور وتألق الدنيا بوجه الغائب المستور، (عليه وعلى آبائه الكرام أفضل الصلاة وأتم التسليم من الرب الشكور).
تحمّل، قاوم، اصبر، استمر، وإياك والتراجع واليأس، ولتكن جراحات المعصومين (عليهم السلام) ماثلة أمام عينيك، ورحلة كفاحهم في حياتهم زادًا ووقودًا لمسيرتك يشد من عزمك ويقويك، كن شجرة قوية تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ولا تكن عشبًا اخضرًا يفتن الناظر مرآه، ولكنه سرعان ما يتطاير في الهواء عند أدنى ريح تغشاه، فالطريق الطويل يحتاج إلى عزم كبير وهمة عالية وطموح وشغف منقطع النظير.
|