لو أردنا تجريد العاطفة تماما من موضوعة الغيبة المهدوية سنكون بحاجة إلى مد أواصر العلاقة مع موضوعة الغيب عموما ضمن مساعٍ علمية رصينة تستوعب الوعد المطلق وليس بالمعنى الصوفي كما يسميه بعض النقاد بل بالبحث الاستدلالي الذي يفهم نوعية العلاقة مع الكون وخالقه العظيم (جلت قدرته)... المكون الأساسي الذي تحتاجه هو التكامل الحضوري أي إنما هي عبر الغياب فما كان خيالا قبل عقود زمانية أصبح اليوم متحققا علميا، فيرى أهل النقد إن وجود مدرك فاعل سيعيد الذات غريبة...
ربما ثمة شيء أكبر من محتواها ما زال في عوالم الغيب، نجد أن الغرب بما وصل من تقدم علمي وافتتان بالحضارة الدنيوية الماحقة لكل أشكال التفكير الغيبي... صار يشكو من ضياع هويته، وهذه دلالة تحتاج إلى العودة إلى الأس الأول أي إلى المرتكز القرآني، لتجاوز أي تدخل آخر، ونقف أمام كلمات الباري تبارك وتعالى:
(فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) وهذه دلالة لوجود محتوى غيبي أكبر من إمكانية المخلوق وقدراته، وهذا المحتوى يمتلك فاعلية الرضا الإلهي الخلاق والمنقذ في الاصطلاح التعبيري... وربما نتساءل... أكانت هذه الكلمات ضمن المحتوى الداخلي للوجود أم خارجه ؟ لنصل إلى يقين أن لا شيء مهما بعد غيابه يخرج عن المحتوى التكويني... لكنه محجوب لعدم إمكانية القابلية الذهنية من استيعاب الهيكل المحجوب... هناك جهل ولد فيه وجهل مسند إليه، وثمة جهل أيا كان في الإنسان يسند له... فنجد أن في تلك الكلمات التي تلقها آدم إيحاء يقينيا إلى وجود المادة والروح، وجميع هذه التكوينات العلمية الحديثة تطبعت على الجانب المادي وتحيزت عن الجانب الروحي تماماً. يرى {لونجينوس) أنه: يكون في الغياب حيوية إلى الحد الذي يبدو حضوراً. والوصول إلى معرفة الأبعاد الكونية هو عجز إدراكي للوصول إلى الروح الكونية. فالكلمات التي تلقاها آدم تنفتح على عوالم أخرى وربما على مجرات أخرى بعيدة عن مجرتنا وتلك الكلمات التي سيبعثها الله حضوراً في شخص الغائب المنتظر عجل اله تعالى فرجه الشريف.
|