في الأطر الموروثة ثمة دلالات اصطلاحية روجتها الذهنية الشعبية واستقرت في الذاكرة الجمعية للأمة كحقائق لا بد من الالتزام بها دون الالتفات إلى أنها قد تكون ذات دلالات موضوعية يجوز تعميمها كلياً بل وضمها ضمن محور الدلالات ذات الموضوعات المحددة، فحين ما عادل موروثنا الأدبي والإسلامي السكوت بالذهب مقارنة بالثرثرة والغيبة والإسفاف والنميمة... فهولا يعني إطلاقاً الرضا عن الظلم والممارسات اللا إنسانية بل تواجه بثورة عارمة تعيد التوازن لهذه الأمة انطلاقا من دلالات إسلامية سيرت المنهاج الصحيح: (الساكت عن الحق شيطان أخرس) وهناك أيضاً تخصيصات دقيقة انتعشت مصطلحاتها بمهمة محصورة وجاءت بحاجة تسعف حالة معينة إذ قالوا: (إن بعض السكوت رضا) تبياناً لموقع الحياء... ولو جردت من هذه الحالة الخاصة لأصبحت خنوعاً لا يرتضيه الدين. وهناك من جاء بتأويلات غير مكتملة المعالم عن التقية وحصرها بالرضوخ والمذلة... بينما هي تعني الابتعاد عن المماحكة والصدام المباشر، ولا تعني التخلي عن المواقف الإنسانية بتاتا. وفي واقعة الطف تبلور مفهوم الصمت صبراً وتصابراً وهجرة وتحاشياً عن القتال لإعطاء فرصة أكبر لمن يريد النجاة والهداية كما حصل مع موقف الحر الرياحي (رضوان الله تعالى عليه)... مع جملة من الخطب والمواعظ تبين خطورة السكوت عن الحق ونصرة الباطل... فجاءت صرخة... (هيهات منا الذلة). وفي أقصى هذا الصمت ولدت ثورة إنسانية هي من أعظم الثورات، في حين كانت السلطة الأموية تسعى لنشر الصمت السلبي الذي يطبع الأمة على الخذلان والذلة والمهانة والانصياع إلى السلطة بدون تفكير عقائدي صحيح... حتى صار واجباً شرعياً تقديم الطاعة لخليفة جائر وتناما الصمت السلبي نتيجة تراكمات ظالمة ومجحفة اتخذت الدين سبيلاً لجني الطاعة القسرية واتخذت من السبل السياسية والتقاليد الاجتماعية والتربوية الموروثة من الجاهلية العمياء محفزات لنشر ثقافة الخنوع العام، فسحقت الكثير من الحقوق وخنقت الكثير من التطلعات وانتشر الفساد الإداري في الدولة الرسمية وغير الرسمية وترعرعت الواسطات (الممصلحة) بسيادة مطلقة، ومازال المجتمع يرضخ لإيثار الصمت وعدم فضح التجاوزات إثر تغلغل اليأس وعدم جدوى أية شكوى... يرى اختصاصيو الاجتماعيات أن تنامي ثقافة الصمت ترد عبر تربية بيئية تزرع في أبنائها الخوف والرعب واليأس وقلة إيمان... ومن أبشع صور المذلة حين ترضخ الحكومة لهذا السكوت والصمت الإعلامي الذي يسوف من خلاله قضايا مصيرية مهمة... نواب قتلة وتجار دم والبعض الآخر استغل مكانته لتجارة عوراء وسرقة الكثير من مخصصات المال العام وابتلاع المنح والمساعدات تنتهي جميعها بفضائح كبيرة تستر بالاستقالة فقط لا غير... فصرنا نسكت ونحن نرى التجاوزات بأعيننا، ا أحد لسادة النواب يستلم جميع حقوق زوجته المعلمة في إحدى ابتدائيات كربلاء ومازال يستلم راتباً شهرياً من مدرسة...... وهي لم تر العراق بعد ولم تحضر أي درس لطيلة هذه السنوات ! فظاهرة استغلال المناصب أصبحت مرتكزا للفساد والتخلف ووضع اليد على أملاك الدولة والتجاوزات وعدم التزام أغلب المؤسسات بالقانون والأنظمة، فساد الإهمال والتهميش وعدم الاستفادة من مشاريع التنمية والتطوير وإنشاء شركات وهمية، وحين تفتضح تدارى بصمت كبير... عشرات الدوائر أسست للمجتمع المدني وحقوق الإنسان و...و... وحين يظهر مسؤول جاد في نزاهته فلا غرابة أن يقتل بعد يومين ! وربما سيرى البعض أننا نسيء إلى حكومتنا الوطنية، بالعكس تماماً نحن نؤازر الحكومة ولذلك نرفض الضعف والخور ونسعى لحراك فكري علمي ثقافي اجتماعي سياسي اقتصادي بالشكل المؤمل، ونطالب بالكشف الإعلامي عن جميع السلبيات وعدم تغطيتها بالصمت المشين... لماذا هذا السكوت أمام ثرثرة الآخرين؟ وتحريض تهم مريضة ضد الشعب العراقي وحتى هيئات حقوق الإنسان أصيبت بداء الصمت المرير الذي سيعيد إلينا ديكتاتوريات وأصنام ومجالس تعمر باسم الوطنية ولا نحصل سوى التصفيق والطاعة العمياء.
|