إن مصطلح الغرابة الذي يطلقه العلماء على بعض الكلام والمراد به بعض الكلمات التي تحمل نوعا من غرابة المعنى ووحشيته أو لقلة تداوله بين العامة لذا انقسم العلماء في تحديد الغريب من الكلام، فقسموه إلى نوعين، أولا: الألفاظ الوحشية المعنى واللفظ، ومثال ذلك ما استخدمه أبو نواس في شعره من الكلمات الغليظة بالنسبة للعامة مثل كلمة الشطار في بيت الشعر:
وملحة بالعزل تحسب أنني بالجهل أترك صحبة الشطار
وهنا نجد إن كلمة الشطار التي جاءت من كلمة الشاطر ومعناها: السيئ الأخلاق. وهو معنى بشع بالنسبة للغة العربية مع ذلك نجد أن العامة بدأت باستخدامها كلفظة حسنة دون الرجوع إلى أصلها ومعناها، وهذا خطأ شائع. ومن هذه الأخطاء الشائعة أيضا كلمة المتنزه والتي تعني قديما مكان الغائط، وأما العامة فيطلقون هذه المفردة الآن على كل حديقة أو مكان جميل يستريح فيه الإنسان.
ثانيا: الكلمات الغريبة لقلة استعمالها من قبل العامة إلا أنها محببة كونها لطيفة وخفيفة على اللسان على الرغم من صعوبة معناها وفهمها إلا بواسطة المعاجم وبالرغم من ذلك تبقى مرغوبة غير مستكرهة، فقد أورد الشيخ ابن نباتة في بعض خطبه عن يوم القيامة مثل: (اقمطر وباؤها واشمخر نكالها فما طابت ولا ساغت) أما القرآن الكريم فقد احتوى على الكثير من هذه الألفاظ حتى وصل عددها إلى (725) مفردة غريبة كما رواها السيوطي عن ابن عباس وهي حسنة ولكنها مستغربة التأويل بحيث لا يتساوى الجميع في فهمها ومنها (الموقوذة)المائدة/3 و(مبلسون)الأنعام/44 و(حصحص)يوسف/51 و(يضاهئون)التوبة/30 فأما الموقوذة فمعناها: الأنعام التي تـُضرب بالخشب حتى تموت. ومبلسون معناها: آيسون. وحصحص أي: تبين. ويضاهئون أي: يشبهون. ومن الغريب الذي ورد بالقران أيضا كلمة (فاطر السماوات)الأنعام 14 وقد اعترف عمر بن الخطاب بأنه لا يعرف معنى العديد من الكلمات التي وردت في القرآن الكريم ومنها كلمة (فاكهة وأبا)عبس/31 وكذلك أبن عباس الذي قال أنه لم يعرف معنى كلمة (فاطر) الواردة في الآية الكريمة (فاطر السماوات) حتى أتاه إعرابيان يختصمان في بئر، فقال احدهما: أنا فاطرتها أي: أنا ابتدأتها. ومن جميل غرائب الكلام عندما قدمت وفود العرب على النبي (ص) فقام طهفة بن أبي الزهير فقال: (أتيناك يا رسول الله من غوري تهامة على اكوار الميس ترتمي بنا العيس نستجلب العبير ونستخلب الخبير ونستعضد البرير ونستخيل الرهام ونستجيل الجهام في ارض غائلة الغطاء غليظة الوطاء قد نشف المدهن ويبس الجعثن وسقط الاملوج ومات العسلوج) فقال رسول الله (ص): (اللهم بارك لهم في محضها ومخضها ومذقها وفرقها وأبعث راعيها في الدثر بيانع الثمر وافجر له الثمد وبارك له في المال والولد ......لكم يا بني نهد في الوظيفة الفريضة ولكم الفارض و الفريش وذو العنان الركب والفلو الضبيس لا يمنع سرحكم ولا يعضد طلحكم ) وهذا دليل على أن أفصح الناس بعد القرآن هو الرسول ومن بعده أهل بيته (عليهم صلاة الله وسلامه).
|