• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تجليات الإمام الحسين (عليه السلام) دلالات وآفاق للإصلاح .
                          • الكاتب : علي فضيلة الشمري .

تجليات الإمام الحسين (عليه السلام) دلالات وآفاق للإصلاح

 إن إحياء الشعائر الحسينية وتقوية المجالس تمثل الطريق الناجح لبناء الاستقرار الاخلاقي والنفسي للشخصية الانسانية. كما انها تشكل حصناً منيعاً للحفاظ على الهوية الاسلامية امام عواصف العولمة ورياحها العاتية، كما فعل سيدنا وامامنا الخالد الحسين بن علي (عليه السلام) حين وقف ضد الظلم الاموي وقدم روحه وارواح ذويه وصحبه الاكرمين قرباناً على مذبح الحرية في سبيل الله.

فقد اعطى الإمام الحسين (عليه السلام) لله تعالى كل شيء وبلا حدود وقدم التضحيات التي لم يشهد التاريخ ولم يشهد مثيلاً لها، فكان عطاؤه بلاحدود وبلا نهاية، فكان علينا ان يكون عطاؤنا للإمام الحسين (عليه السلام) ومشاركتنا ومواساتنا بلا حدود وحتى نكون بمستوى الحب والولاء للعظمة الحسينية.
هناك كثير من العظماء الذين جاءوا الى هذه الحياة،فملؤوا واثروا ولكن عظمتهم كانت عشر سنوات اواربعين اوثمانين عاماً او ربما يكون ليوم واحد فقط كانت مؤقتة ثانية اي انها لسنوات ثم ينتهي كل شيء وقد خاطب امير المؤمنين (صلوات الله عليه) (اين العمالقة وأبناء العمالقة) لانجد لهم اليوم اثرا، ولايسمع بهم احد، ذهبوا في طيات التاريخ.
لكن العظمة التي نجدها في الامام الحسين (عليه السلام) لانجدها في اي شخص آخر على مر التاريخ هذه العظمة انما جاءت؛ لأن الامام الحسين (عليه السلام) تفانى في الله وربط نفسه،وكأن لسان حاله يقول:
تركتُ الخلقَ طراً في هواكا.. وأيتمت العيال لكي اراكا
فلو قطعتني في الحب إربا .. لما مال الفؤاد الى سواكا
ونقرأ في زيارة الأربعين (فبذل مهجته فيك) أي أن هذه العظمة هي عظمة إلهية، لذا تكون باقية، اذن عظمة سيد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام) هي من عظمة الله سبحانه وتعالى، لذا علينا ان نربط انفسنا بالله وبهؤلاء الاطهار الذين ارتبطوا بالله سبحانه وتعالى.
قد لمسنا آثار تأثير انشطة زيارة الاربعين على المشاركة بنحو لايقبل الشك وانما المصداق الاكبر لترجمة المضمون المتقدمة فشعاراتها ونشاطاتها وتداعياتها التي تملأ زمان ومكان الممارسة تعمل على تجذير الولاء في وجدان وعقل الانسان الموالي وتهبه زخماً هائلاً من الاصرار والثبات والمقاومة.
ومابقاء جمهور اتباع اهل البيت (عليه السلام) في الحياة وحضوره الفاعل واعتراف الاخر بقوة دوره ونقل مواقفه الامن بركات حزمة من الاسرار الالهية والتخطيطات الحكيمة لقادة التشيع وزيارة الاربعين المقدسة واحدة من بين تلك الاسرار الالهية العظيمة التي جسدت تلك الآثار والبركات.
ان زيارة الاربعين تقودنا الى القول بأن هذه الممارسة المباركة قد تحولت الى استعراض موسمي للعزة والعدل والحرية استعراض يفصح عن الحالة الثورية والفدائية لعشاق سيد الشهداء (عليه السلام) بنحو سلمي لا اثر فيه للعنف والكراهية  والتحريض، بل ان ادواته وشعاراته سلميه انسانية مستفيدة بالضوابط الشرعية والقانونية,وملتزمة بوسائل التعبير المتحضرة.
انها ثورة اخلاقية لايمكن احصاؤها من شأنها ان تسعف الانسان المعاصر من أخطار الأزمة الاخلاقية التي تعصف به منذ قرون. كما أكد الشيخ محمد عبدالرضا هادي الساعدي في كتابه (الأربعين.. دلالات وافاق) خطوات في التنمية البشرية والتخطيط الاستراتيجي لحقول الزيارة.
ان ممارسة الزيارة المباركة فرصة التعبير الحر عن الهموم والمآسي التي تواجهها الامة،والتي غالباً مايتم تجاهلها من قبل الاعلام العالمي، ولاتحظى بتفاعل المجتمع الدولي نتيجة النفاق السياسي وجفاف المبادئ الانسانية داخل منظوماتها الحاكمة.
 ان الظلم الذي تتعرض له الامة الاسلامية وبخاصة اتباع أهل البيت (عليه السلام) يشبه طوفاناً من الشر المتطاير بالعدوان والمكر والخبث، هو ظلم لم يترك مأرباً من مآرب الحياة إلاوخنقه، ممايحتم على الامة ان تعبر عن ظلامتها بحجم ماحل بها وان كان ذلك من المستحيل، فماحل من ظلم خارج نطاق التعبير, وليس ثمة وسيلة للتعبير الجماهيري عن همومة الأمة وشكواها مثل وسيلة زيارة الاربعين المباركة حيث يتسنى للشعوب وللأفراد اطلاق الشكوى بنحو جماهيري يستمع إليه العالم، وعلى اقل التقادير فانه يسمع الامة المؤمنة المتواجدة وقت ممارسة الزيارة وقد شهدنا في السنوات الاخيرة بعض تلك الاستعراضات من قبل الاحتجاج على ما تتعرض له الشعوب المقهورة من الظلم والأنظمة الفاسدة.
فزيارة اربعينية الامام الحسين (عليه السلام) تكشف عن حالة من التعافي الايجابي الكبير في جسد اتباع اهل البيت (عليهم السلام) في حقل السلوك الاجتماعي حتى امكن القول ان ظاهره زياره الاربعين تمثل عاملا اخلاقيا لإنتاج السلوك الايثاري، ومختبرات عظيمة لفحص واختبار ودراسة السلوك الانساني المتعلق بالبذل والتعاون وتقديم المساعدة الى الاخرين.
وتمثل الزيارة الاربعينية مهرجانا انسانيا عظيما للتلاقي الحضاري والتعارف الثقافي الايجابي,مهرجانا تنظمه الجماهير المؤمنة بنفسها ولاتتدخل السياسة والانتماءات العرقية والفئوية في نشاطاته على الاطلاق وان اغلب المشاركين في ممارسة زيارة الاربعين هم من اصحاب الثقافة التي تصنف على انها ثقافة جمعية شديدة الترابط بين اعضائها منهم من الآسيويين وان كانت الزيارة تتضمن حضورمختلف الثقافات والشعوب العالمية، حيث يلاحظ بأن الناس وبخاصة المتطوعين لخدمة الزائرين يسعون لتقديم المساعدة الى الغرباء بالدرجة الاولى، ويتفانون في البذل والاستجابات الانسانية الطيبة، دون ان يلتفتوا الى هوية الاخرين.
 ان حالة الانفتاح في ممارسة السلوك الاجتماعي الايجابي ظاهرة في سلوك جمهور زيارة الاربعين،وهذا الانفتاح في مساعدة الاخرين عند هذا الجمهور بحاجة الى وقفة دراسية مستقلة؛ لما فيه من حقائق ومعطيات هامة.
 وبما ان السياق قد وصل بنا الى هذه المسألة مع تطلع الجميع الى غفران الذنوب ببركة زيارة سيد الشهداء وهو تطلع موضوعي وعدت به العديد من النصوص الشرعية، إلا أن المحصلة للزيارة الاربعينية ان عملية المشي ضمن اطار ممارسة الزيارة تتضمن أبعاداًوعناصر نفسية في غاية الاهمية وهي في الجملة من الممارسات التفاعلية وليس عملية جسمية صامتة تعتمد على حركة الرجلين واليدين حيث تشترك العناصر العقلية والنفسية المتأتية عن التواصل مع الله والاخرين في مشهد تفاعل مستظل بمناجاة السماء، ومكسو بطهر التراب الملامس لأقدام الزائرين ومضمن بأنفاس عشاق كربلاء مع تردد موسيقى الندب الولائي الهادر في اجوائه بـ(ياحسين)، تشترك كل تلك الاشياء, لتمنح هذه الممارسة طابعاً روحياً متميزاً غير قابل للتقليد والاستنساخ، ولاتعرض عليه ماتعرض على الممارسات الحياتية من قبل الاشباع والملل والقدم، وهي في الوقت وصفة علاجية مجربة للعديد من امراض الروح.
وابرز معطيات هذا الارث لزيارة الاربعينية قد حانت مع لحظة انطلاق الفتوى المقدسة حيث وجدنا عبر التتبع الدراسي ان معظم المتطوعين من الحشد الشعبي هم من الجمهور الحسيني وبالخصوص جمهور ثقافة زيارة الاربعين المباركة فان الحشد الذي نشهده في مسرح زيارة الاربعين العظيمة هو نفس الحشد الذي استجاب لنداء المرجعية الشريفة فقد انعكست بركات هذه الزيارة بالذات على تحشيد أبناء الحشد ومواصلة تدفق الزخم المعنوي والمادي لديهم بنحو لافت للغاية.
في ذكرى أربعينية الامام الحسين، الخلود يتجدد والشعائر تستمر والعطاء يجود والخدمات تتسابق والهتافات تدوي (لبيك ياحسين) فهنيئا لكل من خطا، والبركة لكل
من سعى، والعزة لمن هتف بصوته وعلا في اعنان السما، باسم سبط الرسول المصطفى، يوم صاح انسبوني من انا.. فما جواب الأعداء إلا السهام ورمي القنا..وما ساعة إلا وابن السبط مذبوح من القفا..وبها ناحت الملائكة وكسفت الشمس واحمرت الأرض اربعين مسا.. وصعد الدم من الوريد إلى السما..وما نزل بالأرض إلا ان مطرت السماء منه مطرا دماأحمرا..لقد قتل الحسين وبقتله استقام دين المصطفى...
السلام عليك يا أبا عبدالله وعلى اصحابك وعلى الأرواح التي حلت بفنائك يوم ولدت.. ويوم استشهدت.. ويوم تُبعث حيا.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=154358
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 04 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 16