حاوره: علي حسين الخباز
حين ترتبط المحاورة ومفهوم التحاور بكاتب يمتلك ثقافة موسوعية، وشكل في الساحة الفكرية اسماً له دلالاته، وفي صدى الروضتين له هوية فكرية لها تميزها؛ لارتباطه بأكثر من نسق معرفي، فهو مبدع في حيثيات التاريخ والدين والمنطق ضمن اختصاصه الحوزوي، لذلك نجد أن المحاورة لابد أن تأخذ اكثر من منحى، فالتقينا كاتبنا المبدع مرتضى علي الحلي بالصلوات على محمد وآل محمد:
- ما هو مفهوم الإيمان وما هي مقوّماته: أ- مقوّم الانتماء؟ ب- مقوّم السلوك؟ ج - مقوّم الوعي؟ د- مقوّم الحصانة؟ هـ - مقوّم التغيير؟
الكاتب: من المعلوم أنَّ مفهوم الإيمان لغةً واصطلاحاً متقاربٌ بنسبة كبيرة جدّاً، وهو ما يُفيد معنى التصديق بالشيء تصوّراً ووجوداً، وهذا ما يستتبع إذعاناً وتسليماً وعملاً ومنهجاً وسلوكاً... وإذا ما أخذنا هذا المفهوم إلى ميدان الفعل والسلوك والتطبيقات الحياتيّة، فإنَّه يتطلّبُ الالتفات إلى مُقوّماته البُنيويّة ووعيها معرفةً وأثراً، وخاصةً في البُعدين العقدي والاجتماعي المُترابطين ارتباطاً وثيقاً في مقاصد الدّين الإسلامي العزيز رسالةً وتكليفاً وتبليغاً وتغييرا .
فالإيمان في البُعد العقدي – أصول الدّين - له متعلّق وجهةٌ إلهيّة شريفة ومأمونة تُحدّد مُصحّح الانتماء لها عقلاً وشرعاً، وذلك بوجوب معرفة الله تعالى وطاعته ومعرفة نبيه الأكرم ورسالته وأوصيائه المعصومين من بعده، والإذعان بعدله وبالمعاد، وهذا الانتماء يفرض وجهةَ السلوك القويم نحو المطلوب اعتقاداً واجتماعاً وتسليماً وتطبيقا، قال تعالى: ((فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) (النساء: 65).
ومقوّم السلوك المستقيم هو الآخرُ يتطلّب المعرفة والبصيرة في حَرَاك الامتثال والارشاد والتغيير والإصلاح، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى في قوله تعالى: ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) (يوسف: 108).
وينبغي أن يستبطن مفهوم الإيمان أيضاً في السلوك المُستقيم سمةَ الوعي في الحَرَاكِ، فالوعي هو الفَهم والحفظ والاستيعاب للمطلوب من أوّل الأمر تجربةً وحَرَاكاً وخيارا، وعليه يبتني الوصول بأمان إلى الغاية والغرض المنشود، وهو من جملة ما أرشد إليه قوله تعالى: ((لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)) (الحاقة: 12)، وبالوعي يختزن الإنسان المؤمن خلاصات التجارب اعتباراً وطريقا .
وبحكم المقوّمات الثلاثة – مقوّم الانتماء ومقوّم السلوك ومقوّم الوعي – تتحقّق عند المُتّصف بها ملكة المَنَعَة والعدالة أو ما يمكن تسميتها بالحصانة، والتي تجعل الإنسانَ المؤمنَ في وقاية وتقوى وورع عن محارم الله سبحانه، وتنزّه عن القبائح والرذائل الأخلاقية والاجتماعية؛ وذلك لسلوكه جادة الشريعة استقامةً بفعل الواجبات وترك المُحرّمات، ممّا يُقدّمُ نفسَه للمجتمع وأفراده إنساناً فاضلاً مأمولاً خيره ومأموناً شرّه، بحيث يُسهم شخصيّاً بالتغيير وبالإصلاح فرداً ورسالةً وهدفاً ووسيلةً وتطبيقاً، وهذا ما يقتضيه مقومّ التغيير في كنه الإيمان وحقيقته، إذ المؤمن مأمورٌ بأن يعمل صالحاً ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
- ما هي ثوابت المقوّمات الاجتماعية:
أ- منهجيّة أهل البيت المعصومين (عليهم السلام) في التعاملات الاجتماعية؟
ب- إمكانيّة الاستفادة من الإصلاح الحُسَيني في مواجهة الطواغيت؟
ج- تأثير الفضائيّات ومقاومة أثرها السلبي؟
الكاتب:ـ لا شكّ أنَّ التعايش الاجتماعي قائم على أساس بُعد الحاجة بين الناس وسدّها بالوجه المشروع والمعقول والمعروف عُقلاءً، وهذا البُعد الفطري والضروري يقيناً يجب أن يستند على ثوابت عُرفيّة قويمة وسُلوكيّة راشدة تصوغ شَكلَ شخصيّة الإنسان في تعاملاته الاجتماعيّة مع الآخرين، وللدّين اعتقاداً وشريعةً دورٌ مَكين في تسديد هذا الحَرَاك في التعامل والأخذ والتعاطي والموقف، بما يتكفّل بحفظِ الحقوق وتطبيق الواجبات فرداً ومُجتمعا .
ويمكن تبويب بعض ثوابت التعامل الاجتماعي وفق منهجيّة أهل البيت الطاهرين (عليهم السلام)، من خلال تسليط الضوء على بعض رواياتهم الشريفة في هذا الجانب، لمعرفة قيمة الثوابت الاجتماعيّة والأخلاقيّة وحتى الاعتقاديّة وآثارها الحياتيّة منهجاً وطريقا.
1- ثابت الصدق مدخَلاً ومخرجاً: وهو ما يمكن تسميته بأصالة الموافقة وضرورة التطابق بين القول والفعل في الاعتقاد والانتماء لمذهب التشيّع الحقّ شرعةً ومنهجا .
فقد ورد عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنّه قال: (ليس مِن شيعتنا مَن قال بلسانه وخالفنا في أعمالنا وآثارنا، ولكن شيعتنا مَن وافقنا بلسانه وقلبه، واتبع آثارنا وعمل بأعمالنا، أولئك شيعتنا) (بحار الأنوار – المجلسي: ج65/ ص164).
فينبغي أن يكون التعامل الاجتماعي مع وبين الناس قائماً على ثابت الصدق والموافقة والمطابقة بين الاعتقاد والمعاملات والعبادات .
2- ثابت التحلّي بالفضيلة والعمل بدينِ اللهِ خالصاً: وتقديم الشخصيّة الاجتماعيّة للإنسان المؤمن نموذجاً وأُسوةً حسَنَةً يُقتدى بها ويُهتَدى، وفي رواية مأثورة (عن نوف بن عبد الله البكالي: فقلتُ: صِف لي شيعتك، يا أميرَ المؤمنين؟ فبكى لذكرى شيعته، ثم قال: يا نوفُ، شيعتي واللهِ الحُلماء العُلماء بالله ودينه، العاملون بطاعته وأمره، المُهتدون بحبه).
(الأمالي - الشيخ الطوسي: ص576).
3- ثابت التعايش السِلْمي في المُجتمع عامةً: وكفّ الأذى عن الآخرين قولاً وفعلاً، والتواصل والتعارف، وحفظ الأمانة، وحُسن المعاشرة، وقد وردَ هذا المعنى عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في قوله :(عليكم بتقوى الله وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الصحبة لمن صحبكم، وافشاء السلام وإطعام الطعام، صلّوا في مساجدهم، وعودوا مرضاهم واتّبعوا جنائزهم، فإنَّ أبي حدّثني أنَّ شيعتنا أهل البيت كانوا خيارَ مَن كانوا منهم، إن كان فقيها كان منهم، وإن كان مؤذناً كان منهم، وإن كان اماماً كان منهم، وإن كان صاحب أمانة منهم، وإن كان صاحب وديعة كان منهم... حبّبونا إلى الناس ولا تبغّضونا إليهم). (صفات الشيعة - الشيخ الصدوق: ص28).
وهناك ثوابت كثيرة نعرض عنها اختصارا.
يمكن تقديم وجوهٍ للاستفادة من النهضة الحُسينيّة الشريفة ومشروعها الإصلاحي الخالد في مواجهة الطواغيت والفاسدين والظالمين، وذلك بالتركيز على التعاطي القويم مع الإمامِ الحُسين (عليه السلام) عقيداً وفِكراً وسلوكا، بحيث يجب أن يأخذ الإصلاح في تطبيقاته قدراً كبيراً في قيمته ومُعطياته الصالحة على مستوى أنفسنا ومُجتمعنا، بما يمكن معه تحقيق الإفادة منه في واقعنا ووفق رؤى ومقولات وقيم وسلوك النهضة الشريفة في أهدافها السديدة حياتيّاً، والتي هي تحثُ الخُطى الوجوديّة حقيقةً نحو انطلاقة كبيرة في التغيير المُرتَقَب يقيناً، وقبول الإصلاح المُنتّظَر على يَدي الإمَام المَهدي المَوعود (عج)، فلم يكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بِدعاً من السلوك أو المبادئ أو حتى ما يُسمى اليوم بالتطرف أو التشدد، ومن الضروري القيام به بوصفة وسيلة ضبطٍ وتقويمٍ لما يحصل من انحراف عن جادة الحقّ والصراط المستقيم، ومقولة الضبط للسلوك الفردي والاجتماعي معاً هي مقولة عقلانيّة وعُقلائيّة آمنتْ بها كُلّ البشرية في متنوعها الدّيني والوضعي منهجاً وتطبيقا، وما هذه القوانين والتشريعات التي تسعى وتطمح إلى ضبطها الأمم وحكوماتها إلاَّ حركة باتجاه الضبط والاستقامة وإقرار النظام العادل ورفض الظلم والطغيان في كلّ مجالات الحياة الإنسانيّة .
ويمكن اختزال وجوه الإفادةِ والاعتبار بمشروع الإصلاح الحُسيني المُقدّس في ضرورة إشاعة الوعي الراشد والفَهم القويم والدراية الحاذقة بأهداف النهضة الحُسَينيّة الشريفة، التي استهدفت الإطاحة بمشروع الظلم والفساد والانحراف؛ ليتجلى ذلك لنا عمليّاً في حياتنا المعاصرة في صورة التعبير الشعائري المشروع والتفاعل الثقافي والفكري والسلوكي مع النهضة، حتى نتمكّن من تربية جيل حُسيني مهدوي يرفضُ الظلمَ والفسادَ، ويدرك وظيفته ويعرف هدفه في المحافظة على نظام الاستقامة والحقّ والعدل، فالمعيار الأهم ملاكاً يكمن في أنّنا يجب أن نستلهمَ النتيجةَ والمُعطى الحُسيني درساً واعتبار وخيارا مُعاصرا.
وأمّا بالنسبة لتأثير الفضائيّات ومقاومة أثرها السلبي؟
ففي واقعنا المعاصر والراهن يقيناً قد أثّرت وسائل الإعلام عامّة، المرئيّة منها ووسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقميّة الحديثة سلباً على فكر وسلوك وأخلاق وثقافة أفراد المجتمع بقدر كبير جداً، وهذا مُشاهد بالعيان ومُدرَك بالوجدان، ولكن يمكن مقاومة ذلك التأثير بالعمل على إشاعة ثقافة التلقي الناقد والفاحص وثقافة التثبّت والتبيِّن، وعدم الاستعجال بقبول المعلومة إلّا بعد التأكّد منها والوقوف على أبعادها وآثارها.
والإعلام السلبي بدأ اليوم يطرقُ كلّ أبواب الحياة الإنسانيّة باباً، باباً، مُستهدفاً زلزلة العقيدة والشريعة والأخلاق والثوابت والقيم والأعراف الصحيحة، وهنا نحتاج إلى مقاومة ومواجهة تتصدّى لترسيخ أصول العقيدة الصحيحة، وبيان الأحكام الفقهيّة السليمة في العبادات والمعاملات، وتقديم منهاج أخلاقي وبرامج توعويّة ترشد الفرد والمجتمع إلى ضرورة المحافظة على الانتماء والهويّة وعدم التخلّي عنها بمتابعة الأفكار والثقافات الوافدة والأجنبيّة عنّا .
- واقعة الطف وحداثويّة الرؤى:
أ- المقومات الإيجابية في واقعة الطف؟
ب- من الشعائر الى التطبيق الحياتي؟
ج- كيف يمكن أن نوظِّف الشعيرة الحسينيَّة في خدمة الانتظار والتمهيد للإمام المهدي (عج)، ومشروعه الحق؟
الكاتب: إنَّ مقتضيات حياتنا المُعاصرة تتطلّب منّا في أسلوب التعاطي مع واقعة الطّف الخالدة ومشروعها الإحيائي المَكين الرائد والقائد تقديم فَهمَاً ومنهجاً حديثاً يُناسب سماتِ الحياة الراهنة حاضراً ومُستقبلاً، وما مِن شكّ في أنَّ الإمام الحُسَين (عليه السلام)، هو أكبر وأعمق مَفهوماً وقيمةً ودلالةً وهدفاً من الشعائر الجزئيّة، والتي تُمثِّل في تطبيقها تعبيراً مشروعاً عن سِمة الولاءِ والاعتقاد في أيامٍ معدودات، ينفكُّ عنها مَن يُمارسها تطبيقاً بمجرد انتهاء أمدها الوقتي، ولكن مَن يدرك تلك المفاهيم والقيم والدلالات والأهداف التي كان الإمام الحُسَين يسعى من أجل تحقيقها اعتقاداً ومنهجاُ وسلوكا، وآمنَ بها لا ينبغي به أن ينفكَّ عنها أخذاً في حَرَاكه الحياتي فرداً ومُجتمعاً؛ وذلك باعتبار أنَّ الإمام الحُسَين (عليه السلام)، قد أضاف إلى الحياة عامةً إضافات معنويّة وقيميَّة وأخلاقيّة وحتى سياسية، يمكن لكلّ مَن يقبلها طوعاً أن يتفاعل معها في مُجمل مناحي الحياة المُعاصرة، وهذا الإمكان إنّما يتأتى من الاستجابة الإرادية لكلّ ما نبّه عليه في وقائع نهضته الشريفة.
فينبغي أن تكون الاستجابة الإرادية بعد انتهاء ممارسة الشعائر تُمثِّل انطلاقة إلى الحياة إصلاحاً وتغييرا، وهي تلبيّة إيمانية يجب أن تأخذ طريقا سَلكاً إلى آخر الصراط، والقرآن الكريم قد ندبنا إرشاداً منه إلى قيمة وأثر الاستجابة الطوعيّة في الواقع لدعوة الله تعالى ودعوة المعصوم نبيّاً كان أو إماماً.
قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا استَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)) (الأنفال: 24).
والحياة هنا أعم مطلقاً من كل ما نحسّه ونعيشه عياناً وذهناً، إذ أنّها تتجلى عند المعصوم (عليه السلام) بصورة قد لا تشبه في ملامحها ما ندركه نحن خاصة.
لذا قال الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قولته الشهيرة: (الموتُ في حياتكم مقهورين والحياةُ في موتكم قاهرين) (نهج البلاغة، ت، د، صبحي الصالح: خطبة51).
فالحياة الحقيقيّة التي أرادها اللهُ تعالى لنا والمعصوم من بعده هي حياة تقوم على أساس قهر الآخر من النفس الأمّارة بالسوء إلى العدو، والذي قد يتمثّل اليوم بسلوك أو فكر أو ثقافة أو إنسان منحرف.
أ- المقومات الإيجابية في واقعة الطف؟
إنَّ من أهمِّ المقوّمات الإيجابيّة الصالحة والمشروعة في واقعة الطّف هو ما اختزنته نهضةُ الإمام الحُسَين (عليه السلام) أُسساً وأهدافاً ومشروعا .
ويمكن تلخيصها بما يلي :
1- تقوّم حَرَاكِ الإمامِ الحُسَين (عليه السلام)، بحدود اللهِ تعالى منهجاً وسلوكاً؛ وذلك لكون الإمامِ الحُسَينِ إماماً معصوماً ومنصوباً من اللهِ تعالى نصباً ومنصوصاً عليه نصّاً، ولا يخرج في حَرَاكه مُطلقاً، قولاً وفعلاً وبياناً وتقريراً عن حدود الدّين القيّم، فلذا قدّم مقاصدَه وأهدافَه في مبدأ نهضته الإصلاحيّة ببيانه الأوّل، وفي رسالةٍ بعثها إلى أخيه محمّد بن الحنفيّة، تحسّباً لمواجهة التضليل الإعلامي المُتوقّع آنذاك في استهدافِ مشروعه من أوّل الأمرِ بالدعاية المُضادَة والحرب الكلاميّة من قبل دولة بني أُميّة، وتأسيساً منه للمُصلِحين في جميع الأزمة والأمكنة والأحوال بضرورة تقوِّم منهج النهوض والإصلاحِ بمقوّماتٍ سديدة ومُمكنة يكون لها الدور الفعلي في عملية التغيير وتحقيقه على مستوى المُجتمع والأمّة وحتى الفرد، فقال (عليه السلام): (وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مُفسِداً ولا ظالماً، وإنّما خرجتُ لطلب الاصلاح في أمّة جدّي، صلى الله عليه وآله، أُريدُ أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، عليه السلام، فمن قبلني بقبول الحقّ، فالله أولى بالحقّ، ومَن ردَّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي اللهُ بيني وبين القوم بالحقّ , وهو خير الحاكمين.(
2- تحديدُ الإمامِ الحُسَينِ (عليه السلام) الهدفَ المُقدّسَ من نهضته القويمة: اسماً ووصفاً والجِدّ صِدْقاً وسلوكاً في السعي إليه بوسائله المشروعة والصالحة، بحيث لا يشتمل على العبث والمَرح والسفاهةِ والبَطَر والتجاوز والفساد والظلم، هذا ما يمكن استظهاره من قوله (عليه السلام): (وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مُفسِداً ولا ظالماً )، فوضوح الانطلاق في مُعترك التغيير يجب أن يكون السمةَ البارزةَ للشروع في الوصول إلى المطلوب، ولجعل الاتباع على بصيرةٍ من أمرهم .
3- تقديم العنوان الجامع في منهج التغيير في واقعة الطّف: وذلك لتتحدّد به وسائل وسُبل الشروع والفِعل وتأثيرها في كلّ مجالٍ تقصده على مستوى العقيدة والفكر والأخلاق والتوليّ والتبرّي وغيرها، ذلك ما بيَّنه الإمام الحُسَين (عليه السلام) بمقولته الشهيرة: (وإنّما خرجتُ لطلب الاصلاح في أمّة جدّي، صلى الله عليه وآله،) فالإصلاحُ عنوان أعلى وأقوم وأحسن ينبغي أن يسري بعمومه وإطلاقه إلى كلّ مِفصَلٍ، مِفصل في وجهات الحياة, دفعاً للفسادِ وإقامةً للعدل بين الناس.
4- موافقةُ الوسائل والآليات المُتّبعَة في عملية الإصلاح لأحكام وتعاليم الشرع القويم، ولنظام العُقلاءِ في سلوكهم، بِما يحفظُ المصلحةَ العامةَ والخاصةَ ويُحقّقُ الأغراض المنشودة في التغيير، قال (عليه السلام): (أُريدُ أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) وهذا المبدأ إنّما اتّبعه الإمامُ الحُسُين بعد وقوع الانحراف والفساد في واقع الأمة آنذاك والضلالة عن الصراط المستقيم، ومواجهةً منه وعلاجاً له، إذ انتشرَ الفسادُ والظلمُ والمُنكرُ والعدوان والباطل، حيث ذكرَ في خطابات النهضة: (أيّها الناس، إنَّ رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، قال: مَن رأى منكم سلطاناً جائراً مُستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مُخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يُغيِّر عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإنَّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، أحلّوا حرامَ الله وحرّموا حلاله - أنه قد نزلَ مِن الأمر ما قد ترون، وإنَّ الدنيا قد تغيرتْ وتنكرتْ وأدبر معروفها وأقبل منكرها فلم يبق منها إلاَّ صبابة كصبابة الاناء وصبابة عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون أنَّ الحق لا يُعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا، فإنِّي لا أرى الموتَ إلاَّ سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلاّ برما).
ب- من الشعائر الى التطبيق الحياتي؟
وهنا يجب علينا كمؤمنين بالإمام الحسين (عليه السلام) أن نجد في أنفسنا وفي مجتمعنا ما نوجده انفعالاً أو امتثالا في الشعائر الحسينية، من ممارسات كالبكاء - مثلاً - حيثُ أنه ممكن أن يكون نقطة إصلاح وعودة إلى الفطرة والإنسانيّة واللطف، وتجنباً للقسوة قسوة السلوك والقلب والموقف.
وكذا ممارسة الزيارة والمشي، فهي الأخرى ممكن أن تجسّد طريقاً في التوبة والرجوع إلى المعصوم اعتقاداً وتأسيّاً، وكل شعيرة يمكن لها أن تنعكس تطبيقاً صالحاً إلى واقع ينتظرنا أو ننتظره، إذ المهم في تعاطينا مع ما نعتقد به من حقّانية وهدفيّة النهضة الحسينية هو انتهاج نهج المُعاصرة والتوظيف والاعتبار، وهذا هو الحل والجواب الذي كان قد انتظره وينتظره الإمام الحسين (عليه السلام) منّا.
وإنَّ الذي يُريد أن يكون إنساناً حُسينيّاً بمعنى الكلمة ولو بالمقدور عليه أن يجد حلاّ وجواباً لكل استفهام أو تنبيه نبّه عليه، وهذا الحل والجواب ممكن أن يجده الجاد والصادق في العمل بالحق واجتناب الباطل وعدم طاعة الشيطان والالتزام بطاعة الله تعالى ورسوله الأكرم (ص) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) من بعده ودفع الفساد عن نفسه وعن مجتمعه ما استطاع إلى ذلك سبيلا والعمل بأحكام شريعة الإسلام، والتعبُّد بحلال الله وتجنب حرامه .
هذا وأجدّر بنا أن ننتبه إلى اعتقادنا بالإمام المهدي (عج) إذ أنها العقيدة المُعاصرة والحقّة، حيث يجب أن ندرك قيمة وحكمة ما نعتقد به إيماناً وانتظارا، وهذا الانتباه الجدير يتلخّص في ضرورة المعرفة والإعداد لكل توقع مُحتَمَل تحققه، وأعني إمكان ظهور وقيام الإمام المهدي (عليه السلام) وبإذن الله تعالى ليبسط العدل والحق والدين والنظام والأمن والصلاح والإصلاح تطبيقاً في الأرض مطلقا .
ومن جملة ما يجب أن نستقيه من نهضة الإمام الحسين هو تحديد الموقف الناصر والصالح تجاه إمام الزمان المهدي؛ ذلك كون الخذلان للمعصوم كان السمةَ البارزةَ في صلب أحداث النهضة آنذاك، وهذا ما صرّح به الإمام الحسين في مقولاته الشريفة: (إلا إنِّي زاحفٌ بهذه الأسرة مع قلة العدد وكثرة العدو وخذلة الناصر).
(مثير الأحزان - ابن نما الحلي: ص40).
من هنا ينبغي الخروج بنتيجة من تطبيق الشعائر الحسينية إلى التطبيق الحياتي هدفاً ومنهجاً يؤسِّس في إمكانه الوقوعي والفعلي لكل ما يصبُّ في مصلحة التمهيد والتعجيل لفرج إمامنا المهدي (عليه السلام).
|