جامعة كربلاء/ كلية التربية للعلوم الانسانية/ قسم العلوم التربوية والنفسية
ماجستير بتخصص طرائق تدريس الاجتماعيات
إن نعم الله تعالى على عباده كثيرة، فهي لا تعد ولا تحصى، ومنها نعمة العلم التي مَنّ بها سبحانه وتعالى على الانسان، وفضله بها على سائر من خلق، وكانت أول آيات القرآن الكريم التي نزلت على رسولنا الأكرم محمد وآله (ص) هي ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)) (العلق الآية/1-5).
وقد رفع الله تعالى شأن المؤمنين من اهل العلم ووعدهم بجزيل الثواب، اذ قال (جل وعلا): ((يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) (المجادلة/ الاية: 11)، فبالعلم يحيا الإنسان وتبنى المجتمعات وترقى الحضارات ويقضى على الجهل ويحارب الظلام، وإن كمال الإنسان وصلاحه بالعلمِ.
وأشار الى ذلك الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) بقوله: ((بالعلم يطاع الله ويوحد، وبالعلم توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال والحرام، والعلم إمام العقل والعقل تابعه يلهمه الله السعداء ويحرمه الأشقياء)، لذا جعل الإسلام طلب العلم فريضة عل كل مسلم، فيسعى إليه ولو كان في ابعد البلدان، بل ويعمل على نشره، فزكاة العلم نشره وقد ورد عن الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) انه قال: "ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا".
ومن اجل ان تكون عملية نقل العلم الى المتعلمين سهلة ومثمرة ومحققة لأهدافها المبتغاة، فإن الاسلام قد وضع مجموعة من القواعد الاساسية من اجل تحقيق ذلك ومنها انه قد حفظ للمتعلم حقوقا يجب على المعلم مراعاتها وأدائها، فالمعلم هو العنصر الأساس في العملية التعليمية، فالمهمة التي يقوم بها تعد هامة وخطيرة في الوقت نفسه، فعليه يتوقف نجاح أو فشل العملية التربوية فهو الذي يشكل العقول والثقافات, ويحدد القيم والتوجهات, ويرسم إطار مستقبل الأمة، لذا يجب ان يكون مؤهلاً ويعي اهمية دوره والمسؤولية الملقاة على عاتقه، ويكون على بينة ومعرفة بواجباته تجاه طلبته.
وقد اهتمت مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) بهذا الجانب، فقد اشار الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) في رسالة الحقوق الى جملة من الحقوق التي يجب على المعلم حفظها وتأديتها لطلبته، فما هي هذه الحقوق؟
قَال الإمام زين العابدين (عليه السلام):
((وأمَّا حَقُّ رَعِيَّتِكَ بالعِلْمِ، فَأَنْ تَعْلَــمَ أَنَّ اللهَ قَدْ جَعَلَكَ لَهُمْ فِيمَـــــــا آتاكَ مِنَ الْعِلْمِ وَولاّكَ مِنْ خَزَائن الْحِكْمَةِ، فَــــــــــإنْ أَحْسَنْتَ فِيمَــــــا ولاّكَ اللهُ مِنْ ذلِكَ وَقُمْتَ بهِ لَهُمْ مَقَامَ الخَـــــازِنِ الشَّفِيقِ النَّـــــــاصِحِ لِمَـــولاهُ فِي عَبيدِهِ، الصَّــــــابرِ الْمُحْتَسِب الَّذِي إذَا رأَى ذا حَـــــاجَةٍ أَخرَجَ لَهُ مِنَ الأَمْوَالِ الَّتِي فِي يَدَيهِ كُنْتَ رَاشِدًا، وَكُنْتَ لـــــــــــــِذَلِكَ آمِلاً مُعْتَقِدًا وَإلاّ كُنْتَ لَهُ خَائِنًا وَلِخَلقِهِ ظَالِمًا وَلِسَلْبهِ وَعِزِّهِ مُتَعَرِّضًا)).
على المعلم ان يعلم أن الله تعالى فيما اعطاه من العلم والمعرفة والحكمة ليس له قيمة واهمية اذا بقي المعلم محتفظا به لنفسه، بل عليه ان يعطي لطلبته من علمه، ولا يمكن للمعلم ان يؤدي واجبه تجاه طلبته الا اذا احسن تقديم العلم لهم فيراعي امورا تتمثل بــــ:
(قُمْتَ بهِ لَهُمْ) فيكون المعلم ذا معرفة ودراية واسعة بطلبته من حيث اعمارهم واستعداداتهم واتجاهاتهم وحاجاتهم، فذلك يعطيه صورة واضحة عنهم مما يمكنه من تقديم العلم لهم بأنسب الطرائق والاساليب التدريسية وافضلها بعد ان يكون قد حدد الاهداف التعليمية، واتقن مادته العلمية التي يدرسها لطلبته، بالاضافة الى معرفته بالعلوم الاخرى ويكون حريصا على تحديث خبراته العلمية من خلال متابعته لآخر ما توصلت اليه الابحاث والدراسات العلمية في مجالات المعرفة المتعددة كما لا يغفل عن إثراء مادته الدراسية بكل ما يساعد على زيادة فهم الطلبة لها.
(مَقَامَ الخَـــــازِنِ الشَّفِيقِ) على المعلم ان لا يُنفّر طلبته بسوء معاملته لهم، بل يجب أن تكون علاقته معهم ايجابية مبنية على اساس المحبة واللين اللطف والاشفاق، فيعاملهم معاملة الأبناء، ويكون قريبا منهم فلا ينفرهم بألفاظه الفظة ولا يسيء لهم بسلوكه بل يختار اعذب الالفاظ واقربها حبا لنفوسهم فيشجعهم ويقدم للمحسن منهم المكافأة مدحا وثناء، ويزجر المقصر منهم بأسلوب تربوي هادف لتعديل سلوكهم لا تشفيا وعدوانا.
(النَّـــــــاصِحِ لِمَـــولاهُ فِي عَبيدِهِ) ولا يقتصر دور المعلم على التعليم فقط بل له دور اخر فمن اجل ان ينشأ طلبته نشأة صحيحة، عليه ان يكون مربيا وموجها وناصحا ومرشدا لهم فيما يسهم بتقويم سلوكهم ورفع مستواهم العلمي.
(الصَّــــــابرِ الْمُحْتَسِب) ان التعليم يتطلب من المعلم ان يتسم بصفة الصبر والحلم فلا يغضب لأتفه الاسباب، وان تكون له القدرة على التحكم بانفعالاته فيصبر على ما يصدر من طلبته من تصرفات وعليه ان يصبر على ما يتطلبه تعليمهم وتربيتهم التي قد لا تظهر آثارها بسرعة ويصبر على إعطائهم الفرصة للتغيير وتحسين سلوكهم وامام هذا الجهد ليحتسب المعلم أجره على الله تعالى، فهذا أغنى له في الدنيا والآخرة.
(الَّذِي إذَا رأَى ذا حَـــــاجَةٍ أَخرَجَ لَهُ مِنَ الأَمْوَالِ الَّتِي فِي يَدَيهِ) ولم يغفل الامام (عليه السلام) عن اهمية توفير المتطلبات المادية للمتعلم، فقد تمنعه ارتفاع تكاليف التعلم عن مواصلة تعلمه وتعرقله، فاذا استطاع المعلم ان يمد له يد العون والمساعدة ويساهم في تأمين متطلباته من الأموال.
(كُنْتَ رَاشِدًا، وَكُنْتَ لـــــــــــــِذَلِكَ آمِلاً مُعْتَقِدًا) فاذ حفظ المعلم هذه الحقوق فهذا دليل على وعيه ورشده ورجاحة عقله (وَإلاّ كُنْتَ لَهُ خَائِنًا وَلِخَلقِهِ ظَالِمًا وَلِسَلْبهِ وَعِزِّهِ مُتَعَرِّضًا) واذا لم يحفظ حق المتعلم وضيعه فيكون عندها ظالما لطلبته ويكون جزاؤه ان يسلب منه العلم.
|