يبدو العالم من زاوية قارئ، عبارة عن مكتبة ضخمة من القصص والأمثال وتجارب الحياة.. فنشاهد أشخاصاً قد تحولوا بمرور الوقت الى مكتبة متنقلة تمشي على الأرض، بفكرها، ومنطقها، وفلسفتها، وحكمها، ومواعظها..!
تدرك منذ الوهلة الأولى حجم المعاناة التي واجهوها لتخطي عقبات كثيرة في طريقهم لفهم الحياة.. هؤلاء فقط يعطونك إجابات واضحة لكثير من علامات الاستفهام التي يضعها حجم التخبط الذي تواجهه المجتمعات المعاصرة..!
وهم يخوضون عباب عالم يعجّ بالمثاليات والترّهات..! تارة بالأديان المعتبرة، وأيضاً بالزندقات والهرطقات..! صراع دائم بين الطبيعة الخلابة بفراشاتها وطيورها ونوارسها.. وبين المستنقعات بتماسيحها وسحاليها.. من ينتصر على مَنْ؟ ومن يزحف ليغزو مَنْ؟
نعم، ربما الإنسان لا يريد الهزيمة أو الانتصار، بقدر كونها حلبة وجدت البشرية نفسها في مضمارها..! أمور كثيرة كانت وهماً.. وأوهام عدة أضحت حقيقة..! المتغيرات كثيرة، بعضها يجسد فلسفة الحياة وسرّ تجددها.. وأخرى عصية على التفسير..! الأعماق البشرية تماماً كأعماق المحيطات التي لم يطأ أسرارها بشر قط.. وهكذا يدور مناص الأمر في فهمك لنفسك.. لتفهم العالم..!!
هل وُجدتَ عبثاً.. أم خلقكَ الربُّ الكريم لغاية..؟ هل تعرف ماذا تريد..؟ هل يمثلُ التعلق بالأشياء في حياتك محور تفكيرك وتفاعلك..؟ هل عليك حقاً تحديد ما ينبغي عليك قراءته والاهتمام به.. وما ستعتاد عليه.. أم أنّ الأمر برمته متعلق بالصدف.. والسفينة التي تسعى في لجج البحار على غير هدى..؟
هل حقاً بإمكانك تحويل تساؤلاتك الى موضوع ديني باقتباسات قرآنية أو من أحاديث شريفة.. أو ختم ما تصبو إليه بمقولات شعراء وفلاسفة الغرب؛ ليغدو ما تكتب علمانياً أو حداثوياً..؟
هل الجميع يبحثون عن السعادة باختلاف منابعها ومسمياتها.. أم يا ترى هي الأخرى ليست المحور الأساس في حياة الإنسان..؟ ربما ما نريده حقاً من هذه الحياة أو ما تريده هي منا.. أن نفهم أنفسنا وتطلعاتها.. ((بل الإنسان على نفسه بصيرة))، نحترمها ونتصالح معها.. نحترم غرائزها ورغباتها وتوجهاتها.. بالشكل الذي يساعدنا على ايجاد ممرات آمنة لنجاتها، ثم العمل على تبصرتها بما يساهم في رفعتها وسموها.. ((قد أفلح من زكّاها)).
نظفر بفضاءات رحبة من حرية التحرك، والتصرف، والتفكير، وصناعة الرأي الحر.. واكتساب الثقافة الواعية المنتجة.. أن يكون الفرد سيد نفسه ونبياً في داخله.. قبل أن يحاول غزو العالم بفكره ومنطقه وآرائه.. وقديماً قال أهل العرفان: حين تشعر بالوحدة، فليس لأنه لا أحد معك، بل لأنك لستَ مع نفسك..! اعرفْ نفسَك، وقدّر ذاتك.. ومكامن قوتها وضعفها.. وسيكون العالم كله بين يديك.. بكل ما سخره الله سبحانه فيه من أسباب التمكن والعزة والكرامة.
|