أحداث كثيرة نعيشها في الحرب لا تصدقها العين، وتلك محنة الرواة، أحداث تفيض بها قلوبنا حتى صرنا نخشى ذكر التفاصيل، قد يراها البعض حالات شعورية إثر معاناة الميادين، أو يظنها البعض ضغوطات نفسية مفروضة على المقاتل، لكن الحقيقة اكبر، كنت كمن يسيتقظ من كابوس مرعب، أصيح من شدة دهشتي، هو وحق الله هو، راح صاحبي يلتزم الصمت، ويتفرس في المشهد برغبة الباحث عن الحقيقة:ـ يا سبحان الله لو لم أرَه بعيني يستشهد في منطقة الحضيرة لقلت هو:ـ ورأيناه بعد ذلك يقاتل في الرميلات ناحية الاسحاقي أيضاً.. وها هو اليوم يقاتل في منطقة الشيحة..!
الهجوم يزداد ضراوة، وكل حاسة من حواس الانسان تنشغل في القتال، ولها مهام معينة، فهناك كل الحواس لها عيون، ولهذا خفنا أن يشغلنا منظر الشهيد مشتاق عن مهامنا، فنضيع في حرب تحتاج الى اليقظة، كثيراً ما صار هذا الحدث يوقظنا في الليالي النائمة، ويكون سميرنا في جلسات السمر.
المشكلة انك تخاف أن تسرد الحكاية بواقعيتها، فهي لا تصدق من جميع احوالها، وفي كل حرب نراه يقاتل بقوة ويستشهد ثانية وثالثة وربما ألفاً ويعود، وفي يوم التحاقنا لجزيرة الخالدية، قال صديقي جاسم وهو يبتسم:ـ سأجن لو رأيته هذه المرة، وأنا لا ادري ما اقول، كل شيء جائز، لكن الرجل استشهد امام انظارنا، وتشظت الرصاصات في جسده، حتى لم تترك مكاناً آمنا فيه.
قلت:ـ أيمكن أن يكون له شبيه؟ وكيف يستطيع ان يجد في كل معركة شبيهاً؟ فجأة صاح بي صديقي:ـ انظر.. رأيته هناك يقاتل، يطوف الحدث حول احتمال واحد ان يكون الواقع مجنونا، ولهذا صرنا نألف رؤيته في كل قتال.. انا رأيته في مكحول يزاحم الموت، وانفجر به كمين في منطقة الزلاية..!
صرنا نبحث عنه في كل قتال، قاتلنا سوية في معارك تحرير الكرغول، والبوطارش، والجمهورية (الميطرات).. وأخيراً.. حدث الذي كنا ننتظره، لقد استوقفناه جريحا في بلدة البو حشمة قبل الموت بلحظات.. قلت: ما الامر، اتعبتني يا مشتاق، هل يعقل ان تقتل في كل مرة وتعود؟ فقال:ـ هذه حقيقة ارعبت داعش كثيرا.. إنّا مقاتلو الحشد الشعبي يمر بنا الموت دون أن نموت..!
|