مع انها ثقافة جديدة على مجتمعاتنا الاسلامية، لكن يعود تاريخها في الهند الى اكثر من الفين عام[1] وقد دخلت الى أوربا في القرن التاسع عشر الميلادي والى البلدان الاسلامية في العقود الاخيرة ولها اليوم انتشار واسع في العالم ولها دعاية مكثفة في الاعلام، وفي عام 2014 صوتت 193 دولة من خلال الامم المتحدة على اعتبار يوم 21 من شهر حزيران يوماً عالمياً لليوغا معتمدة بذلك على اقتراح مقدم من قبل رئيس الوزراء الهندي، واما العراق فقد تعرف عليها منذ ثلاثين سنة تقريبا واليوم لها معاهد ومراكز تعليم عديدة في بغداد وعموم المحافظات العراقية ومنذ عام 2016 الى الآن وهو عام 2019 فإن السفارة الهندية في بغداد تحتفل بيوم اليوغا العالمي[2] وفي كل مرّة يُبشر المسؤولون العراقيون بأن العراق في حال اتخاذ خطوات مهمة في هذا المجال. وفي عام 2019 تم الاحتفال بهذه الرياضة في قاعة نادي الصيد في بغداد وقد حضره جمع من الناشطين والوجهاء منهم رجال دين شيعة وسنة! واخذت صور تذكارية للحضور ويبدوا على ملامحهم الفخر والرضى لاحتفالهم بهذه الرياضة الهندية، وعلى هامش الاحتفال قال الدكتور مكي كاظم رئيس منظمة آدم للتنمية البشرية واليوغا: ان حسينية وجامع المحبة كان لها دور كبير بضم وتدريب اكثر من 80 شخصاً للعبة اليوغا وتم ارسال اربعة إيفادات للتدريب في الهند[3]. واضاف المسؤول المذكور ان العراق بدأ بخطوات مهمة فيما يخص هذه الرياضة وقد حصل احد العراقيين على شهادة الماجستير في هذا المجال وذلك دليل على ان العراق في حال تطور في هذه الرياضة[4]!
ما المشكلة إذاً ؟
وان كانت اليوغا اليوم يروج لها على انها رياضة ولعبة تقوي الذهن وتنميه[5] ولكنها في الحقيقة، طقوس دينية تنحدر من الاديان الهندية القديمة؛ لذا فإن الكثير من المتمرسين فيها يعتبرونها كوسيلة للوصول الى عالم المعنى[6] وهناك الكتب والبحوث والمقالات الكثيرة المكتوبة حول اليوغا وفي جميعها تقريبا توجد الاشارة الى الجنبة الروحية لليوغا وإن دعاتها الكبار لا ينظرون اليها كرياضة؛ بل بعضهم يعارض هذا الوصف فهي عندهم عبادة وطريقة يمكن من خلالها الوصول الى الحقيقة[7].
ان اساس وجذور اليوغا يرجع الى فلسفة (سانكيهه) في الهند وهي من الفلسفات الدينية القديمة في الهند واليوغا تعتبر الجانب العملي لهذه الفلسفة النظرية ومن جانب آخر فإن البوذية واليوغا بينهما تقارب كبير في مجال الخطوط العامة وفي الواجبات والممنوعات وكذلك في المفاهيم الفلسفية كما ان الهندوس يعتقدون حسب فلسفتهم الدينية، ان (شيوا) وهو اله الموت والفناء الذي يسكن في الغابات، هو اله اليوغا وحافظها[8]. ونرى في بعض الكتب المؤلفة حول اليوغا، التصريح بالتناسخ[9] وهو ما ترفضه جميع الاديان التوحيدية وأقيمت الادلة المختلفة على بطلانه.
وليست المشكلة في اليوغا كونها تنحدر من اصول بوذية وهندوسية فحسب؛ بل المشكلة الكبرى ان اليوغا في مراحلها المتقدمة تعطي تعاليم لمتعلميها وهي بمثابة دين تفرض عليهم ما يجب وما لا يجب وكثير من تلك التعليمات لا تنسجم مع الاسلام؛ بل تخالفه بوضوح وبإسم الطمئنية العابرة والسلامة الجسدية المزعومة يكون المتعلم اليوغاوي يؤدي طقوس هندوسية بوذية من حيث لا يشعر لذا ترى ان تعاليم اليوغا في مراحلها المتقدمة دون المراحل العامة تفرض على المتعلمين ان يكرروا اسماء خاصة وان يقدسوها وان توضع امامهم في المنزل او في مكان اداء الرياضة بعض التماثيل وهذه الاسماء والتماثيل كلها ترجع الى آلهة البوذيين وتماثيلهم، ويبقى الممارس لها يتقدم في مراحلها ويقضي ساعات من يومه قد تصل الى عشرة وهو في كل ذلك غارق في تصورات لا مكان للخالق فيها وبما ان المتمرس لها لا يرى حاجة الى الله والدين فهي بذلك تهيأ للإلحاد وتشجع عليه فما تبغيه في الدين تراه عندنا في اليوغا وإن كان هذا مجرد شعار لكن من حين يبدأ الممارس الى ان يتخصص فيها قد لا يمكنه الرجوع عنها او قد يفوت الاوان ثم يكتشف خوائها وهناك من وصلوا الى مقام الاستاذية الاسمى وبعد عقود من التمرس فيها، تراجعوا وابدوا ندمهم واعترفوا ان ما دعى اليه الاسلام من تعاليم جالبة للراحة والسعادة كانت اسهل وافضل واكمل من اليوغا التي قضوا فيها سنوات من اعمارهم[10].
اليوغا والتدين
واليوغا حتى في مراحلها الابتدائية ترى بوضوح الغاء الدين فلا يفرق فيها ان تكون مؤمنا او ملحدا، مسلما او مسيحيا[11] لأنك تأتي ضمن برنامج تدريبي يتغاير مع كل ما عندك وهذا بحد ذاته ابعاد عن الدين وهو امر خطير، ومع ان اليوغا توصيك ان تترد على المساجد والحسينيات ولكن لا لأهداف واغراض دينية؛ بل من اجل الحصول على الارتعاشات العرفانية كما يسمونها، فالمهم عند اليوغا انك تحصل على هذه الارتعاشات ولا يفرق ان تحصل عليها في المسجد او في المعبد او في الكنيسة[12].
في المراحل المتقدمة من اليوغا تصبح الكتب اليوغائية القديمة عبارة عن كتب مقدسة بدل الكتب السماوية، وتعتبر مطالعتها عبادة موصى بها وكذلك تستبدل الرموز الدينية الى آلهه من قبيل (شيوا) وليس اسمه فقط يروج له في اليوغا المتقدمة؛ بل تمثاله ايضا، حيث يقول احد معلمي اليوغا الكبار: ( ضع في غرفتك الشخصية تمثال (لرد شيوا) او غيره من تماثيل الآلهة)[13].
وماذا عن فائدة اليوغا؟
ومع ان اليوغا توصي بالابتعاد عن الامور السيئة من قبيل الكحول والمخدرات والسرقة وهو امر جيد ولكن هذه التعاليم يعرف قبحها كل عاقل ولا نحتاج الى اليوغا حتى تعلمنا هذه الامور، وحتى في جانب الايجابيات المدعوة لليوغا فإن كبار اليوغا يقولون: ان ما يحصل في اليوغا من تركيز وحصول على الطاقة يمكن ان يحصل عليه الانسان في الاديان المختلفة وليست اليوغا وحدها من تعطي ذلك[14]. هذا مضافا الى بعض التعاليم السيئة التي تتخللها.
كم من محبيها يعرف ما قلنا؟
وهذه الحقيقة التي اشرنا اليها، مغيبة عن افراد المجتمع الاسلامي ولذا يتم الترويج لها في البلدان الاسلامية باعتبارها رياضة ومفيدة لسلامة الروح والجسد ويعطوها صبغة علاجية واحيانا يصرحون بعدم تعارضها مع الاسلام ولكن عندما يدخل الانسان فيها ويعبر مراحلها يرى بوضح ان اليوغا تتنافى مع الدين وهي عبارة عن دين بديل عن الاديان السماوية وهنا نبدي اعجابنا ببعض علماء المسلمين الذين فطنوا لحقيقة هذه الرياضة مبكرا واعتبروها مراسيم الحادية وشركية ومنحدرة من الاديان الهندوسية لذلك خالفوها واعلنوا رفضهم لها ومنهم علماء شرق آسيا وماليزيا[15]. وفي الوقت نفسه نأسف على المؤمنين ورجال الدين الذين انطلت عليهم الدعاية لهذه الرياضة واخذوا يدعمونها والعجيب انهم يقيمونها في المساجد!! او يروجون لها فيها كما جاء في الخبر الذي اشرنا اليه، فهل الأمعية وصلت بنا الى هذا المستوى؟ وليس غريبا ان نصل الى هذا المستوى بعد ان اصبحنا نستقي معلوماتنا من الفيس واليوتيوب والواتساب فحسب. وبذلك صرنا نتأثر بالدعايات وتحركنا عواصف الاعلام العالمي .
ما الهدف من ترويج الغرب لها؟
نعتقد انها ضمن البدائل التي يطرحها منظرو السياسة الخارجية للغرب كبديل يلهي الناس عن البحث عن مصدر الاطمئنان وهو الله تعالى وكوسيلة يحاولون ان يعالجوا بها الازمات الروحية التي وجدت عند الناس اثر الحياة الميكانية المدنية الحديثة التي صنعوها لهم والتي اودت بتلف الروح والجسم للفرد المعاصر الغارق في خضم الضوضاء اليومية فبعد اختراع ادوات التواصل المختلفة من تلفاز ونت وشركات وبنوك ومصارف واعمال روتينية يومية تشغل جميع وقت الفرد مع ازدياد حاد في مزاولة العمل للحصول على ارباح اكثر فاصبح الفرد في الدول المتقدمة عبارة عن آلة وماكنة تعمل من دون هوادة ومع انه داخل مع عويصة الجميع لكنه يحس بالوحدة والتوحد ومن ثم الكآبة والامراض النفسية وهذا ما انتجته الثقافة الغربية اليوم الى العالم، والغرب رائد هذه الحركة التي عرضها للناس في حياة مادية من دون ايمان بالله لذا فإن عدم الرضى من هذا الوضع بدى واضحا في المجتمعات الغربية والامراض النفسية اليوم تحتل الصدارة في الغرب فقد اكدت بعض الدراسات بأن العقاقير الاكثر تداولا في العالم اليوم هي للأمراض النفسية وهذا في الدول المتقدمة ماديا اكثر من غيرها ففي فرنسا وحدها تم في عام واحد استهلاك اكثر من مئة مليون علبة دواء من المنومات والمهدئات وفي الولايات المتحدة من بين كل اربعة وصفات طبية، وصفة واحدة للمهدئات العصبية[16] وإن اعطاء هكذا ملهيات إنما هو من اجل إلهاء الشعوب القابعة تحت سلطتهم وحتى لا يفكروا في البحث عن مصدر الطمئنينة الحقيقي الذي ان وصلوا اليه، انتهت سلطتهم وانقطعت اياديهم عن مقدرات الشعوب وثرواتها.
اضافة الى ذلك فبما ان اليوغا تعلم الانسان ان يكون هادئاً ولا دخل له في عمل الغير، فإن هكذا نهج ليس يعجب النظام الرأسمالي فحسب؛ بل يقدم خدمة كبيرة لهم من حيث عدم التدخل في سياساتهم ومنازعتهم سلطانهم وبتخدير الناس هكذا يمكن ان يفعلوا ما يشاؤون.
لماذا نُقبل نحن المسلمون عليها
مع الاسف بعدنا عن الله وتمسكنا بالقشور والمظاهر وخلو قلوبنا من التقوى والايمان الحقيقي اوجد فينا الفراغ وحس الحاجة والنقص وهذا جعل المسلم يبحث عن حاجته النفسية في مدارس ومذاهب مادية الحادية، اين الاسلام واين اديان الهندوس؟ اين التوحيد واين عبادة الوثن والخرافات؟ الى اين وصلنا؟
وما دامت باعتراف اهلها ان ما تعطيه ممكن ان يعطيه غيرها فما الداعي ان نطلب ما فيها والممزوج بالشرك والالحاد.
[1] - حمزه شريفي دوست، كاوشي در معنويت هاي نوظهور، ص359.
[2] - انظر: موقع المدى بتاريخ 2-6- 2016
[3] - انظر: وكالة انباء الاهرام الدولية، بتاريخ: 22- 6- 2019.
[4] - المصدر السابق.
[5] - انظر: موسوي نسب، گنجینه اسرار یوگا، ص8.
[6] - شلرما، يوگاي پیشرفته، ص14.
[7] - شارما، یوگای پیشرفته، ص14.
[8] - ناس، تاريخ جامع اديان، ص279؛ شيرر، هستي بي كوشش، ص17.
[9] - شریف پور، كنداليني، ص49.
[10] - موقع موسوی نسب الاب الروحي لليوغا في ايران، www.iranyogfa.compost-18.ospx.
[11] - هويت؛ يوگا، ص24؛ حمزه شريفي دوست، كاوشي در معنويته اي نو ظهور، 390.
[12] - موسوي نسب، گنجینه اسرار یوگا، ص108.
[13] - المصدر السابق.
[14] - شريف پور، كنداليني، تجربه امروز، ص8- 9.
[15] - ساتیاناندا، یوگا سوتره های پتنجلی، ص9.
[16] - نعيمة عبد الفتاح، موقع الألوكة، مقال رقم 341.
|