كدت اضحك مرارةً حين أكملت قراءة التحقيق الرائع الذي أرسله أليّ الكاتب والفنان الشاب علي ألعبادي ونشرته له في إحدى الصحف التي أتعاون معها ، وقد اجتهد العبادي لتقديم صورة مقربة ( وهي فجائعية بكل تأكيد ) تظهر الحال البائس الذي يتجاسر اليوم ضد رائد من رواد المسرح العراقي والعربي وهو الاستاذ بدري حسون فريد ، وحقيقة ارتعبت ومسني غول من القهر وأنا اتلقى كل هذه المعلومات الخادشة للكرامة الثقافية والباعثة على الخيبة والخذلان فهي لم تمس ذات فنانا الرائد بدري بل انها جارت بصلافة على تاريخنا الثقافي وعلى جميع من ينتسب الى منطقة الثقافة، وبغير ارادة مني وجدت ذاكرتي الهرمة تسّرب الي مقولة هي اقرب الى النصيحة وجهها الينا شكسبير الذي قال قبل 400 سنة ( الفنان ضمير العالم .. فحافظوا عليه ) و طبعا هو يقصد بالفنان كل من يحمل و عيا وجمالا يحاول ايصالهما الى الاخرين و من ضمن المقصود بالعبارة الشكسبيرية فناننا الرائد بدري حسون فريد الذي جعلني أفكر ان شكسبير كان يعنيه ويخصه بمقولته وان كان على بعد فاصل زمني تجاوز 400 عاما !.
وقد اطلعت في التحقيق المذكور على السيرة البهية والمحطات الملونة التي سطرها بدري في الحركة الفنية والتربوية العراقية لأكثر من نصف قرن وكيف انه وجد نفسه وبعد تجارب فنية وأكاديمية في الوطن قدم فيها خلاصة تجاربه في الفن والحياة مجبرا على مغادرة العراق حيث عاش في المغرب منذ عام 1998 .. عاش غريبا وسط معاناة مستمرة, قال هو عنها (( إني أعيش منذ سنوات في حجرة وقال ضاحكا ومستدركا ( عفوا في حفرة وليست حجرة ) وهنا أتذكر سؤالا طرحه المؤرخ عبد الرزاق عبد الكريم :
ما هو موقف الدولة العراقية وخاصة وزارة الثقافة , أليس من الممكن الإيعاز إلى السفارة العراقية في المغرب لزيارته ومعالجة مشاكله وإنهاء معاناته وإعادته إلى وطنه بعز وكرامة ؟!.
طبعا لن أجيب هنا بدلا عن الحكومة العراقية لأنها أصلا لا تملك إجابة ( فهو يبدو لها سؤالا عبثيا وغير حامل لأي مضمون جاد!) بل ليس لها ادنى اهتمام بإجابة عن سؤال كهذا او على أسئلة نظيرة ماضية او حاضرة او مستقبلية ! ، ولكنني فزعت من فوري الى شبكة الانترنيت لأعرف جلية مأساة فناننا الرائد وحقيقة حاله الراهن فاصطدمت بحقائق مرعبة :
وجدت احد المواقع العراقية المغتربة تنشر تقريرا مصورا تحت عنوان:
زريبة بدري حسون فريد … تقرير أعده الفنان المبدع أحمد الشرجي
واستهل الشرجي موضوعه الصادم بمقولة الفيلسوف الأيرلندي أدموند بييرك هي (كي نحب الوطن يجب أن يكون في الوطن ما يدفعنا لحبه ) ثم ذكر مشاهداته ل
( المكان البائس الذي يقع في احد الإحياء الفقيرة بمدينة الرباط المغربية والذي يعيش فيه الفنان الكبير وهو يحرق أيامه بين الأمل والعمل والانتظار لغد مجهول)
وبخصوص الغرفة التي يقيم بها فناننا الرائد فهي لا تليق بأدنى مستويات الحياة الآدمية اذ ( تلتف عليها الصراصر، والتي لا يحلو لها التكاثر الا في سرير بدري وغرفته الضيقة، طولها ثلاثة امتار وعرضها متران!!!!! غرفة لا تصلح أن تكون زريبة للحيوانات، ليس في بلد اوربي، بل وفي أي بلد عربي، فكيف يسكنها النبيل بدري حسون فريد، هذه القامة المسرحية الشامخة؟؟ ).
ولن استغرق اكثر في ذكر الحقائق ( والاصح انها فضائح ) التي اشار اليها الكاتب في مشاهدته الميدانية ل (( الزريبة )) التي يفيم فيها مجبرا احد اكبر أهرامات الفن العربي ولسنوات متتالية امام الجميع ، كما لن اذكر ما جاء في مقالات وتحقيقات أخرى منشورة في عديد المواقع والصحف والتي تشير جميعا أننا أمام حالة لا توصف إلا بالجريمة ولا يمكن لاي منصف إلا أن يلاحقها بالإدانة ! .. اما عن مقولة شكسبير فهي تحصيل تستحق ان تفقع لها المرارة من الضحك !!.
* nadhums@yahoo.com |