• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حرية الدين والمعتقد في الإسلام .
                          • الكاتب : السيد زين العابدين الغريفي .

حرية الدين والمعتقد في الإسلام

 يمتاز الفقه الإسلامي بإمتلاكه منظومة حقوقية متكاملة على الصعيد الفردي أو المجتمعي بحيث يحفظ للإنسان وجوده وكيانه ضمن اطار الدولة الإسلامية وخارجها ، وقد كتبت الأبحاث والدراسات حول هذا الموضوع ، ومن أبرز تلك الحقوق هو تكفله بحرية اختيار الفرد لدينه ومعتقده .

إذ لا ريب في أن من حق كل إنسان في اعتناق أي دين أو مذهب أو اتجاه فكري واتخاذه منهجاً عاماً في الحياة من دون اكراه أو اجبار .

وهذا ما يدعمه الوجدان والفطرة الإنسانية التي جبل عليها كل بني البشر على اختلاف أصنافهم وأديانهم ومذاهبهم .

وقد ركز الدين الإسلامي على هذا المبدأ واتخذه قاعدة أساسية في التعاملات الإنسانية على مستوى الفرد أو الجماعة أو الدولة ، ودعا إلى التعامل بالرحمة والمحبة والتسامح مع جميع البشر على اختلاف اديانهم ، فلا يوجد امتياز لأحد على الآخر مهما كان انتماءه واتجاهه ما دام يؤدي حقوق الدولة التي ينتمي إليها . 

وليس من حق أحد اجبار آخر على اعتناق الإسلام بأي وجه ، وأما تشريع القتال والجهاد في سبيل الله تعالى فهو محدود بحالات خاصة من قبيل رد الاعتداء والظلم أو الدفاع عن المستضعفين في البلاد الأخرى ونحو ذلك من العناوين التي يحسنها العقل ويرشد إليها فإذا انتفت حرم القتال لارتفاع سببه ، وبالتالي فلا علاقة للجهاد بهوية العدو فقد يكون العدو مسلماً وقد يكون كافراً .

والذي يؤكد هذا الفهم مجموعة من الأدلة :

أولاً : النص القرآني في بيان حرية المعتقد ، وهي كثيرة منها : قوله تعالى : [لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ][1] ، وقوله تعالى : [وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا][2] ، وقوله تعالى : [لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ][3] .

ثانياً : النص القرآني الذي يحدد وظيفة الأنبياء في التبليغ والبيان لا الإجبار على الإيمان ، فقد حدد القرآن وظيفة الانبياء في نصوص كثيرة منها : قوله تعالى : [وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ][4] ، وقوله تعالى : [مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ][5] ، وقوله تعالى : [فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ][6] ، وقوله تعالى :  [وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ][7] ، وقوله تعالى : [فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ][8] ، وقوله تعالى : [فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ][9] ، وقوله تعالى : [وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ][10] .

ثالثاً : النص القرآني في بيان كيفية الدعوة والتبيلغ ، كقوله تعالى : [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ][11] وقوله تعالى : [قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ][12] .

رابعاً : النص القرآني في ترجيح السلم والسلام على القتال ، كقوله تعالى : [وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ][13] ، وقوله تعالى : [فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا][14] ، وقوله تعالى : [أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ][15] ، وقوله تعالى : [وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ][16] .

مما يؤكد على أن السلم والسلام مبدأ أساس في التعامل مع جميع البشر ، ولا يمكن لأحد اجبار أي انسان على أن يسلم سواء كان نبيا أم غيره .

فوظيفة الجهاد ومقاصده ترجع في روحها إلى رد العدوان أو انقاذ المستضعفين ورفع الظلم والحيف عنهم أو اعلاء راية الدين نحو ذلك ، ولا ارتباط لها بإجبار فرد أو جماعة على اعتناق الاسلام كرهاً ، بل يمتلك أهل الكتاب وما يلحق بهم في ظل الدولة الإسلامية كافة حقوق المواطنة ما داموا ملتزمين بالقانون العام ولا يحل لأحد الاعتداء عليهم أو التعريض بهم أو انتهاك حرماتهم ، ومن يرتكب ذلك يعاقب بالحد أو التعزير حسب نوع الاعتداء .

وبهذا يظهر أن حق الاعتقاد مكفول في الشريعة الإسلامية ، حيث يتوافق التشريع الإسلامي مع الطبيعة الإنسانية التي فطر الله تعالى الناس عليها ، ولا يجوز إكراه أحد على اعتناق دين أو مبدأ أو فكرة ، لأنه مضافاً إلى مخالفته للعقل إذ إن الإيمان إذا لم ينعقد القلب عليه يكون لغواً وعبثاً ، فهو يخالف نصوصاً صريحة من الكتاب والسنة .   


[1] - البقرة/256 .

[2] - الكهف/29 .

[3] - الكافرون/6 .

[4] - آل عمران/20 .

[5] - المائدة/99 .

[6] - النحل/82 .

[7] - العنكبوت/18 .

[8] - الشورى/48 .

[9] - الغاشية/21 ــ22 .

[10] - يونس/41 .

[11] - النحل/125 .

[12] - آل عمران/64 .

[13] - الانفال /61 .

[14] - النساء/90 .

[15] - الحج/39ــ40 .

[16] - البقرة/190 .


كافة التعليقات (عدد : 2)


• (1) - كتب : سعدي ، في 2021/02/13 .

بحث جميل وفقك الله سيدنا



• (2) - كتب : علي الرميثاوي ، في 2021/02/09 .

هذا المقال جاء في وقته المناسب



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=152095
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 02 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15