امام حشدٍ كبيرٍ من سفراء اربعين دولةً معتمدين في الامم المتحدة ، من بينهم مئتان من ابرزِ الشخصيات التي تُعنى بحقوق الانسان والمرأة ، وبرعاية وحضورِ الامين العام بان كي مون ، والقائمِ باعمالِ رئيس الجمعية العامة للامم المتحدة بيتر توماس ، ونائب الامينِ العام للامم المتحدة لشؤون المرأة ميشيل باتشلر ، اقيم في الثامن من آذار الجاري احتفال عالمي لدعمِ وتأييدِ الدورِ الرياديّ للمرأةِ العراقية في مبنى الامم المتحدة في جنيف لمناسبة يوم العالمي للمرأة .
هذا الاحتفال الذي يعد اكبر تظاهرة دعم اممي حصلت عليه المرأة العراقية في تاريخها ، يعطي الكثير من المؤشرات ، من بينها الدور الذي تنشط في اداءه تلك المرأة ، ليس على مستوى العراق فحسب ، وانما على مستويات اكثر فاعلية تصل مدياتها الى باقي المستويات الاممية والعالمية .
ولعل مادعا اكبر منظمة عالمية هي الامم المتحدة الى الاشادة بعمل وكفاح المرأة العراقية من اجل نيل حقوقها والحفاظ على كرامتها ، هو معرفة هذه المنظمة بالظروف المعقدة التي مرّت بالعراق ، والعديد من العقبات التي تقف بوجه تطلعات المرأة نتيجة تلك الظروف .
ففي العراق حاليا وبحسب احصائيات رسمية ومعتمدة ، اكثرُ من مليون ونصف امرأة ارملة خلّفتها الحروب والاعمال الارهابية ، واضعافُ هذا العدد ممن يفترشْنَ الارصفةَ والاسواقَ الشعبيةَ للعمل في ظروفٍ قاسيةٍ ومريرة ، في محاولةٍ لأعانةِ عوائلِهنَّ التي تعيش تحت مستوياتِ خط الفقر . واعدادٌ غيرُ محدودةٍ من العراقيات ، لا تتوفرُ لهُنَّ مستلزمات الحياة العصرية الكريمة .
الامم المتحدة بمختلف منظماتها حينما تعرف هذه الحقيقة وتلمس ان المرأة العراقية لم تستسلم لكل تلك الضغوط والظروف القاسية ، وهي تكافح بشكل يومي لاستعادة دورها واثبات مكانتها الريادية في المجتمع ، فانها لا تملك الا ان تشيد بهذا الدور وتؤيّد تلك المساعي وتدعمها ، بحكم ميثاقها الذي يدعم ويؤيد حرية الشعوب ومنها حرية المرأة .
ففي كلمته خلال الحفل شدد الامين العام للامم المتحدة بان كي مون على ضرورة ان تتمتع المرأة اينما كانت بحقوقها الشرعية والقانونية التي كفلتها الاديان والقوانين الدولية ، وهو اذ اشار الى ان العديد من الدول مازالت بعيدة عن توفير مثل هذه الحقوق ، فانه اكد ان المرأة في العراق وبرغم ظروفها الصعبة استطاعت وبجهود مضنية وجبّارة ، ان تنجز لنفسها مكاسب عجزت الكثير من النساء عن تحقيقها في دول اخرى .
كذلك استعرض القائم باعمال رئيس الجمعية العامة للامم المتحدة بيتر توماس في كلمته الادوار المهمة التي تضطلع بها المرأة العراقية الان ، من خلال احتلالها لمراكز متقدمة في مؤسسات المجتمع العراقي سواء ماكان منها على المستوى المهني او السياسي .
نائبُ الامينِ العام للامم المتحدة لشؤون المرأة ميشيل باتشلر القت بدورها كلمةً دعت المرأةَ فيها الى ان تكون جزءاً فاعلاً في عملية التنميةِ البشرية . مشيرة الى ان المرأة العراقية اقتحمت كافة ميادين الحياة برغم الظروف المحيطة بها .
وبالرغم من اهمية هذا التجمع الدولي بالنسبة للمرأة العراقية ، الا ان الاكثر اهمية ان يفسح المجال امام ممثلة لهذه المرأة لاعتلاء منبر الامم المتحدة والحديث عن واقع المرأة العراقية وآفاق تطورها .
فلأول مرة في تاريخ المرأة العراقية ، وفي انجاز يفخر به جميع العراقيين ، اعتلت الاعلامية والناشطة في حقوق المرأة هيفاء الحسيني منبر الامم المتحدة ، والقت كلمة مرتجلة ، نالت اعجاب الحاضرين من كبار الشخصيات الدولية العاملة في الامم المتحدة ، والمعنية بحقوق الانسان والمرأة ، حيث اكدت الحسيني الحاجةَ الى توفيرِ الدعمِ والحمايةِ للنساءِ اللواتي يقعْنَ فريسةَ وضحيةَ الاعمال الارهابية ، والوقوفِ الى جانبِ الحقوقِ المشروعةِ للمرأة والتي كَفِلَتْها القوانينُ والاعرافُ الدولية .
الحسيني حثّت في كلمتها جميع الحاضرين الى الالتفات الى معاناة المرأة في البلدان الفقيرة ، او تلك التي تجتاحها الكوارث الطبيعية او الحروب ، مشيرة الى ان المرأة في تلك البلدان هي المتضرر الاكبر لتلك الكوارث ، نتيجة عدم تفهّم مجتمعاتها لحاجاتها الضرورية .
في المقابل قدّمت الحسيني شهادات موثقة لما تتعرض له بعض النساء العراقيات من انتهاكات خطيرة تقوم بها الجماعات الارهابية ، عن طريق استغلالهن في تنفيذ عملياتها عبر ابشع صور الابتزاز الاخلاقي ، مؤكدة ان بعضا من النساء العراقيات اصبحن اليوم ضحية الارهاب السياسي الذي تقوم به قوى داخلية وخارجية .
واوضحت الحسيني انها زارت احد السجون العراقية مؤخرا ، والتقت باحدى السجينات التي اتهمت بالقيام باعمال دعم ومساندة وتنفيذ اعمال ارهابية راح ضحيتها العديد من المواطنين الابرياء . مشيرة الى ان تلك المرأة تم اغتصابها وتصوريها بأوضاعٍ مسيئة ، وتم تهديدها بفضحِها ، ان لم تنفّذْ عملياتٍ تشتملُ على ايصال المتفجرات الى اماكنَ واسواقٍ عامّة لقتل وتدميرِ اهدافٍ محددة .
وطرحت الحسيني في كلمتها تساؤلات عدة تتعلق بمثل هذه الجرائم التي لا تمت للقيم النسانية بصلة ، والابتكار المروّع لأساليبِ العنفِ والاضطهادِ والاحتقار للمرأةِ .
واعطت الحسيني العديد من الاحصاءات الرسمية عن حال بعض النساء العراقيات ، مشيرة الى وجود اكثر من مليون ونصف امرأة ارملة خلّفتها الحروب والاعمال الارهابية ، واعداد اخرى ممن يفترشْنَ الارصفةَ والاسواقَ الشعبيةَ للعمل في ظروفٍ قاسيةٍ ومريرة ، في محاولةٍ لأعانةِ عوائلِهنَّ التي تعيش تحت مستوياتِ خط الفقر . وأخريات ، لا تتوفرُ لهُنَّ مستلزمات الحياة العصرية الكريمة .
ومع كل تلك الارقام المخيفة التي تغلّف واقع المرأة العراقية ، فان الحسيني اكدت ان هذه المرأة لم تستسلم لتلك الظروف ولم تقف مكتوفة الايدي ازاءها ، بل سعت الى مقاومتها بكل ماأوتيت من عزم وقوة ، واستطاعت ان تصمد وتؤدي دورا فاعلا في المجتمع العراقي ، عبر انخراطها بجميع اشكال العمل المشرّف ، في المجالات العلمية او التربوية ، بل انها اثبتت قوتها من خلال انخراطها في صفوف القوى الامنية وتحديها للقوى الظلامية التي تريد تمزيق وحدة الشعب العراقي ، وارجاعه الى قرون التخلف والظلامية .
وامام هذا الدفق الهائل من الكلمات المعبّرة التي تخللتها كلمة الحسيني ، فان الامين العام للامم المتحدة وجميع الحاضرين ، اطلقوا على هيفاء الحسيني لقب (( حمامة السلام )) لدورها في نقل معاناة المرأة العراقية ، وجهودها الكبيرة في الدفاع عن حقوق تلك المرأة في جميع المحافل الدولية ، من خلال مشاركاتها العديدة في المؤتمرات والندوات والمناقشات التي تعنى بالمرأة .
ان ( حمامة السلام ) الذي هو ارفع وسام تتقلده امرأة عراقية عبر اكبر واهم منظمة عالمية ، هو وسام لجميع العراقيين اولا ، ولكل امرأة عراقية تكافح من اجل نيل كرامتها وحقوقها الانسانية المشروعة ، بل هو وسام للمرأة حيثما تكون ، على امتداد شعوب العالم . وهو رسالة قوية ومفعمة بالامل لتلك الشعوب ، مفادها ان المرأة العراقية استطاعت ان تحطم كل قيود العبودية والاستغلال ، وتثبت قابليتها على الابداع والتجدد ، بما يسهم في بناء مجتمع حضاري متقدم ينافس اكثر المجتمعات رقيا وتطورا .
تحية للحسيني ، ومبارك نيلها وسام ( حمامة السلام ) ، وتحية للمرأة العراقية المكافحة التي استحقت هذا التكريم المشرّف ........
ملاحظة : الرابط والصور تدعم الموضوع
http://www.youtube.com/watch?v=KSqYujoW9hI |