بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحديث عن خطبة فاطمة الزهراء (عليها السلام) يعني الحديث عن معانٍ عظيمة لكلام ٱمرأة تمثل سيدة نساء العالمين بنص الشريعة المقدسة، حيث تبلورت هذه الشخصية في بيت الوحي الإلهي.. بيت النبوة والإمامة .. بل في بيوت أذن الله أنْ تُرفع ويُذكر فيها ٱسمه، كُلُّ ذلك يؤكد علينا الاهتمام بفقرات ومفردات هذه الخطبة الخالدة لها (عليها السلام) .. وٱلتزامًا وٱعتقادًا بأنَّ في أقوالها وسيرتها تكمن صورة من صور التكامل الإنساني والإيماني نحاول أنْ نقرأ قراءة تحليلية موجزة لبعض نصوص هذه الخطبة العظيمة وبيان علاقتها بالقرآن الكريم، أي الالتزام بالمنهج الذي يجمع بين القرآن والعترة.
- ثانيًا: العدل.
إنَّ مسألة العدل الإلهي هي من أصول العقيدة الإسلامية التي أكدت عليها الشريعة المقدسة من خلال الثقلين العظيمين (القرآن والعترة) ولا يخفى ذلك على أحد من المسلمين، وقد أكد علماؤنا ذلك في مؤلفاتهم، قال الشيخ "المظفر": ((عقيدتُنا في العدلِ أنَّ اللهَ تعالى عادلٌ غيرُ ظالمٍ، فلا يجورُ في قضائهِ، ولا يحيفُ في حكمهِ، يثيبُ المطيعينَ، وله أنْ يجازيَ العاصيَن، ولا يكلِّفُ عبادَهُ ما لايطيقونَ، ولا يعاقبهُمْ زيادةً على ما يستحقونَ)).
وفي هذه الخطبة الشريفة أشارت السيدة الزهراء (عليها السلام) بما يتعلق بالعدل الإلهي، وما يجب على الإنسان من الاعتقاد به، وكانت تريد بهذه الكلمات التي وردت تجاه القوم الذين غصبوا حقها أنْ تذكِّرهم بذلك الخالق العادل الذي لا يحيف ولا يجور في حكمه أبدًا، حيث قالت وهي تخاطب أبا بكر بعد أنْ ذكرت له أدلة دامغة على حقها في فدك ومطالبتها إياه بردِّها: ((فَدونَكَها مخْطومَةً مَرْحُولةً تَلقْاكَ يَوْمَ حَشْرِكَ، فَنِعْم الحَكَمُ اللهُ، والزَعيمُ مُحَمَّدٌ (صلى الله عليه وآله)، والمَوْعِدُ القِيامَةُ، وَعِنْدَ السَّاعِة يَخْسَرُ المُبْطِلونَ، ولا ينفَعُكُمْ إذ تَنْدَمُونَ، وَلِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقرٌّ، وَسَوْفَ تَعْلَمونَ مَنْ يَأْتيهِ عَذابٌ يُخْزيهِ، وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقيمٌ)).
وهذه من أعظم الكلمات التي تحذر من عدل الله تعالى في ذلك الموقف يوم القيامة حيث لا ينفع الإنسان شيء سوى ما قدم لنفسه من الصالحات، وفي ذلك إشارة لقوله تعالى: ((هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن تَأْتِيهُمُ المَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ ٱنتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ))، بل إنَّ ذلك اليوم هو يوم العدل الإلهي الأكبر الذي يؤخذ فيه لكُلِّ مظلوم من الظالم حقه مهما بلغ، حيث قال تعالى: ((وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء)).
إنَّ الكلمات التي أوردتها الزهراء (عليها السلام) لظالميها فيها من الوعيد ما يُذهل عقل اللبيب إنْ أراد أنْ يتفكر في عواقب أمره حيث غضب الله تعالى وسخطه مقابل حطام دنيا زائلة، فينبغي لمن أراد نجاة أنْ يتأمل هذه الكلمات ليكون على بينة تامة من كُلِّ تصرف يقوم به تجاه الآخرين حيث يوم القيامة يكون الحاكم هو الشاهد، ذلك يوم لا ينفع ندم فيه ولا ٱعتذار، لذا وردت روايات كثيرة عن أهل البيت (عليهم السلام) تحذر الإنسان من ذلك اليوم حيث العدالة التامة التي لا ظلم فيها مطلقًا، بل إنَّ من أعظم مفاهيم العدل كونه صورة من صور البناء النفسي والاجتماعي الذي تقوم على أساسه التعاملات في المجتمع فتحفظ فيه الحقوق، وتؤلف فيه القلوب، لذلك كان من كلماتها (عليها السلام) في إشارة لهذا المعنى: ((وَجَعَلَ العَدْلَ تَنْسيقًا للقُلُوبِ))، فإذا كانت هذه ثمار العدالة بين الناس فكيف إذًا بعدل الله تعالى يوم القيامة، ونصرة المظلومين.
|