لم أعد استطيع التفكير ولا التخطيط للمستقبل”، عبارة رددها رحيم جواد ذو (55 عاما)، في إشارة لحجم الضرر الذي لحق به جراء الصعود السريع للدولار أمام الدينار.
جواد يوضح في حديثه لموقع عراقي، بأنه بات “يشعر بالدوار نتيجة تعرضه لخسارة فادحة وتوقفت أعماله نتيجة تذبذب أسعار الصرف”.
آلاف العراقيين الذي يشعرون بـ”الضياع” ولم يعد بإمكانهم العمل بارتياح على ظل اهتزاز السوق على خلفية ارتفاع سعر صرف الدولار الذي بات الشغل الشاغل لجل العراقيين، نظرا لما يعنيه من انخفاض قيمة العملة الوطنية وغلاء أسعار كل شيء، إلى درجة بات فيها الرأي العام يستحضر ذكريات أيام الحصار القاسية.
حصل ذلك كله على نحو متسارع، فور “تسريب” مسودة قانون موازنة 2021، التي هوت بالدينار أمام الدولار وأشاعت حالة من الخوف وعدم الاستقرار في السوق العراقية، في حين زاد الأمر سوء بقرار رسمي صدر من البنك المركزي وحدد سعر صرف بـ1470 للدولار أمام الدينار.
وعزت وزارة المالية العراقية القرار إلى محاولات الحكومة معالجة الأزمة الخانقة التي يشهدها العراق من جراء انخفاض أسعار النفط، وضمان حماية الاقتصاد وتحقيق الإصلاحات التي وعدت بها قبل عدة أشهر.
وأدى خفض قيمة العملة إلى زيادة احتمالات ضعف الدينار في الشارع. وارتفع السعر بالفعل إلى 1400 دينار عراقي للدولار يوم السبت من 1300 دينار عراقي الأسبوع الماضي لدى وكلاء صرف العملات.
ومنذ انهيار أسعار النفط في وقت سابق من هذا العام، يواجه العراق أزمة سيولة غير مسبوقة. واضطرت الدولة المصدرة للنفط إلى الاقتراض من احتياطيات البنك بالدولار لسداد ما يقرب من 5 مليارات دولار شهريا تمثل رواتب موظفي القطاع العام ومعاشات التقاعد.
وبينما أثار القرار موجة غضب في الشارع العراقي، لكن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي دافع عن خطوة حكومته وقال إنه كان أمام خيارين “أما انهيار النظام والدخول في فوضى عارمة، أو ندخل في عملية قيصرية للإصلاح”.
واستشهد الكاظمي، خلال كلمة له في جلسة مجلس الوزراء العراقي عقدت السبت، بعدة دول منها الإمارات وكوريا الجنوبية وسنغافورة عندما اتخذت في السابق “قرارات صعبة” من أجل إصلاح الاقتصاد.
كل النيران موجهة للمواطنين
“لماذا استهدفت موازنة 2021 مخصصات الموظفين؟”، هكذا يقول أستاذ علم الاقتصاد في جامعة البصرة الدكتور نبيل المرسومي أن ” رواتب الدرجات الخاصة والمشمولين بقوانين خاصة لم يتم الحديث عن تخفيضها بالموازنة المسربة”.
ويوضح المرسومي، “لم يجر أي تخفيض على مخصصات أخرى كالسكن والمنصب، ومخصصات أخرى مذكورة في قوانين أخرى مثل الخدمة الخارجية وديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة والمجلس الأعلى للقضاء”.
ويلفت المرسومي إلى أن “موازنة 2021 خفضت مخصصات الموظفين بمقدار 12 تريليون دينار، غير أن النفقات التشغيلية بدلا من أن تنخفض ارتفعت إلى 122.7 تريليون دينار، الأمر الذي يزيد عن النفقات التشغيلية في موازنة 2019 بأكثر من 22 تريليون دينار، ما يدل على عدم ترشيد الموازنة العامة واقتصار إجراءاتها التقشفية على الموظفين فقط، خاصة وأن المستلزمات السلعية والخدمية والصيانة والبرامج الخاصة لدوائر الدولة المختلفة بلغت في موازنة 2021 اكثر من 21.1 تريليون دينار”.
ويشير المرسومي بالقول، إن “كل النيران التي وجهتها موازنة ٢٠٢١ موجهة إلى المواطن العراقي موجودة بنادقها وذخيرتها الحية في الورقة البيضاء الحكومية”.
محاكاة “مشوهة” للورقة البيضاء
المحلل الاقتصادي ضرغام محمد علي يرى أن “مسودة الموازنة محاكاة مشوهة للورقة البيضاء التي هي نفسها لم تحظ بقبول الاقتصاديين العراقيين، واحتوت على أكثر من ٢٠ ملاحظة قانونية شخصتها الدائرة القانونية للأمانة العامة لمجلس الوزراء”.
ويقول محمد علي “من بين الملاحظات الاقتصادية خفض الرواتب وفرض زيادات في الأسعار وخفض قيمة الدينار، وهذه سترفع نسب التضخم وتزيد من نسب الفقر وتؤدي إلى انكماش تضخمي يؤذي السوق ويقلل فرص العمل بشكل خطير، إضافة إلى الأضرار التي ستتعرض لها المصارف العراقية المثقلة بديون حوالات الخزينة الكاسدة، حيث أن الإقبال على سحب الودائع لا بدالها بالدولار سيفلس المصارف”.
محنة وضربة للمشاريع
وفي سياق متصل حذر رئيس اتحاد المقاولين العراقيين والعرب علي فاخر السنافي من حصول كارثة جديدة ستحل بشريحة المقاولين والمشاريع المستمرة في حال تمرير قانون الموازنة بوضعها الحالي، وبسعر صرف الدولار الجديد، مبديا استغرابه من عدم وجود تحرك جاد من قبل أصحاب القرار تجاه هذا الأمر، الذي سيؤثر بشكل كبير على حركة المشاريع والبنى التحتية في مختلف المحافظات العراقية، وخاصة المشاريع قيد التنفيذ.
وقال السنافي في منشور في صفحته على “فيس بوك”، إن “ما جعلنا نتفاجأ هو أن الحكومة لم تضع في حساباتها قضية الزيادة الحاصلة بنسبة أكثر من 20%، والطامة الكبرى والخطيرة هي أن من الممكن توقف 70% من المشاريع الخدمية المهمة للمواطن “، داعيا اللجان المالية في البرلمان إلى التحرك بأقصى سرعة تجاه هذا “الموضوع الخطير قبل ولادة الكارثة التي ستؤدي إلى ازدياد المشاكل في مختلف المحافظات”.
وأعلن البنك المركزي، يوم السبت، رسميا تحديد سعر الصرف 1450 دينار لكل دولار، و1460 دينار لكل دولار سعر بيع العملة الأجنبية للمصارف، 1470 دينار لكل دولار سعر بيع العملة الأجنبية للجمهور، مبررا ذلك بالقول، إن “عدم اتخاذ مثل هذا القرار قد يجعلنا مضطرين لاتخاذ قرارات صعبة قد تضع العراق في حالة مشابهة لما تعرضت إليه دول مجاورة”، وذلك غداة تصريحات ادلى بها وزير المالية محمد توفيق علاوي صبت في هذا الاتجاه.
وتسبب قرار خفض سعر صرف الدينار العراقي، بموجة من التغريدات انتقد فيها عراقيون القرار الحكومي بكثافة، وتصدر هاشتاغ #مصارف_الحرامية حسابات العراقيين على تويتر.
وأحدث القرار صدمة في العراق، رغم وعود وزارة المالية بأن تعديل سعر الصرف “سيكون لمرة واحدة فقط ولن يتكرر مستقبلا”، إلى جانب محاولة الحكومة طمأنة المواطنين والتعهد بأن القرار لن يؤثر على فئات الشعب التي تعتمد على السلع المحلية.
ووجه ناشطون عراقيون اتهامات لجهات عدة، وحملوها المسؤولية عن تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلد.
وكانت الحكومة العراقية أقرت في أكتوبر الماضي “ورقة بيضاء” تضمنت آليات جديدة للإصلاح الاقتصادي وتضمنت “مئات الإجراءات الكفيلة بإحياء الاقتصاد العراقي، وفقا لما اكده مجلس الوزراء العراقي.
وتمتد “الورقة البيضاء” على 100 صفحة، ويفترض أن تكون مدة تنفيذها (3-5) سنوات.
ويحتوي المحور الأول لورقة الإصلاح، على مقترحات لتخفيض الرواتب الحكومية بنسب تتراوح من 12-25 بالمئة، ورفع الدعم الحكومي عن بعض القطاعات، وإيقاف تمويل صندوق التقاعد من الموازنة، وتخفيض الدعم الحكومي للشركات العامة، واستيفاء أجور الكهرباء “وفق التسعيرة العالمية” وزيادة أجور الجمارك والضرائب”.
|