سببان مهمّان وراء بروز وتعملق العلمانية في الغرب ، هما ؛ محدودية الدين المسيحي كشريعة للحياة من جهة والأخطاء الاجرائية التي وقعت بها الكنيسة اتجاه الطبقة المثقفة من المجتمع وخاصة شريحة العلماء والمفكرين والفلاسفة منهم من جهة أخرى .
مارس القائمون على الكنائس في أوروبا ولعقود دكتاتورية مقيتة مع مجتمعهم .. دعوا الى الرهبانية ، عاقبوا صاحب كل فكرة لا تنبثق من داخل أسوار صوامعهم ، أرادوا أن يضعوا لكل شيء تفسيراً كنسياً غيبياً وإن كان من عنديات أنفسهم ، جمعوا بين السلطة الروحية والسلطة المجتمعية جمعاً ليسوا أهلاً له .. مما حدا بهؤلاء المثقفين الكفر بالدين كلّه ومحاولة خلق مذهب علماني - اي دنيوي حسب اهم تعريفاته - تُقصى فيه الكنيسة وجميع الأديان ويُتخلي من خلاله عن كل ما يرتبط باللاهوت وعالم الغيب ، بل اعلن بعض فلاسفتهم أن الإله قد مات ..!!
ولهذا نجد أن فصل الدين عن الحياة وتنصيب العقل مرجعاً أعلى لها - أي الحياة - ونبذ الأخلاق الدينية - مصداقاً أو فلسفةً - اصبحت من أهم ملامح العلمانية الغربية والتي تطورت فيما بعد من قبل بعض معتنقيها الى الحاد ومعاداة للأديان والمتدينين على وجه الخصوص ..
ما يهمنا كمسلمين هو السبب الأول الذي ذكرناه وهو محدودية الشريعة المسيحية وعدم قدرتها على قيادة الحياة ، فليس للعلمانيين الحق في وضع الإسلام والمسيحية في خانة واحدة من هذه الناحية ، فالاسلام دين الحياة ، وهو جاء ديناً خاتماً للأديان ، وما جاء القران بعد الأنجيل الا تأكيداً على هذه الحقيقة المتمثلة بمحدودية الدين المسيحي وأنه دين مرحلة ليس الا ..! قال تعالى { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ .. } المائدة ٤٨ ، وقال تعالى { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا } الفتح ٢٨
فلنتفق مع العلمانيين بهذه الجزئية ولنقبل منهم هذا النقد ولنُفهمهم ان الاسلام جاء بالشريعة الالهية الكاملة التي تغطي كل شؤون هذه النشأة ، قال تعالى {.. ۚ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ۚ .. } المائدة ٣٨
ولا يتوقف الأمر عند ذلك بل لا بد من إثبات ذلك لهم بكل ما أوتي للحق سبيلا ، اثبت الإسلام نفسه مع العقول الجاهلية والمتحجرة ، فكيف لا يثبت نفسه في عصر العلم والفهم والتنوير ..!!
نعم ، يبقى السبب الثاني هو محلّ الإشكال لنا بسبب الاخطاء التي وقع بها المسلمون ولا زالوا للأسف الشديد ، فلطّخنا سمعة الإسلام بتهمة الإرهاب وتهمة التشدد وتهمة عدم مراعاة حقوق الانسان وغيرها وهو منها براء ..
عندما ندقق بعمق نرى ان العلمانية تريد أن تبعد المسلمين عن الدولة والحياة لا الإسلام ، تريد أن تبعد المتدينين لا الدين ، وما علينا هنا إلا أن نبحث عن النماذج الإسلامية التي تغير من هذه النظرة وتعكس على الاسلام انطباعات جيدة .. وهم موجودون في تاريخ هذا الدين كالنجم والقمر في سماء ليل الإسلام لمن أنصف نفسه وأنصف الحقيقة ، ولا يخلوا عصرنا من هؤلاء ايضا في تفصيل ليس هنا محلّه .. قل ان هدى الله هو الهدى ..
|