روي عنه "عليه السلام": ((مَنْ تَذَكَّرَ بُعدَ السفرِ ﭐعْتَدَّ)).
المصدر: تحف العقول / الحسن بن شعبة الحراني
تأملات في الحديث:
1- إنَّ الحديث واضح الدلالة في حث الإنسان على التفكُّرِ والتأمُّلِ في حقيقة هذه الدنيا ومحاسبة نفسه محاسبة الشريك لشريكه كما ورد في الروايات، فكيف والنفس هي أعدى عدو يحمله الإنسان بين جنبيه، فكيف يطمئن لها ولوعودها ؟؟ وكيف يُصَدِّقها عندما تصوِّر له غير الحقيقة وتُمَنِّيه بها، بل وتدعوه إلى تصديقها وتكذيب العالَمِ كُلِّهِ؛ لتبقى هي التي تقود القوى الأخرة، فتكون الإمرة والتسلط لها دون سواها.
🎙🎙🍃🍃
2- إنَّ في الحديث دعوة للاستعداد إلى ذلك العالم العظيم بكُلِّ ما فيه، عظيم بثوابه، وإحسانه، وخيره، وعظيم بعقابه، ومجازاته، وعظيم بحسابه، وقد ذكرت كثير من الآيات الشريفة عظمة ذلك وخصوصًا حسابه، قال تعالى: ((فمن يعمل مثقال ذرة))، ((وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)) فالإنسان اللبيب هو الذي يجعل الآخرة ونظام المحاسبة فيها نصب عينيه حيث ((يوم تبلى السرائر))، فإنْ كانت له في الدنيا سلطة يظلل فيها نفسه، أو يظلم فيها الآخرين بنوازع مختلفة لا تظهر لهم، فغدًا هي ظاهرة للخلائق كُلِّها، فضلاً عن أنها شاهدة على صاحبها،فما أعظم هذه الصورة القرآنية التي يذكرها الله تعالى عن ذلك الموقف: ((وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ [فصلت/21-24]))
🌱🌱🎙🎙
3- إنَّ الإمام يدعو الإنسان المؤمن إلى مراقبة نفسه ومحاسبتها وهو منهج الثقلين في تربية الإنسان تربية صالحة نحو التكامل الروحي والجسدي، وقد ورد في ذلك عن الإمام الكاظم (عليه السلام): ((ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل حسنا استزاد منه. وإن عمل سيئا استغفر الله منه وتاب إليه)) فيجب علينا إذا صدقنا الاستعداد للآخرة التمسك بمنهج المحاسبة والمراقبة؛ ليكون الاستعداد استعدادًا حقيقيًّا وليس مجرد أمنيات وغرور بوعود النفس.
🍃🍃🌱🌱
4- يشير الحديث الشريف إلى موضوعات متعددة مهمة منها عدم الغفلة، واليقظة، والحذر، والنظر إلى حقيقة الأمور، والاستعداد لذلك السفر الطويل الذي يحتاج الإنسان فيه إلى الزاد الكثير، وعدم وضع العراقيل الكثيرة المؤذية في طريق سفره من خلال الانغماس في لذات الدنيا الفانية، وما تزين له نفسه، فالإنسان هو بنفسه يستطيع أنْ يجعل من ذلك السفر سفرًا جميلاً له، أو سفرًا كؤودًا عليه، وكُلُّ ذلك بإخلاص النية والعمل، واظنُّ أنَّ أعمالنا هي التي ستحدد حجم مسافة السفر ونوعه لكُلِّ إنسان، فلنتفكَّر ونتأمَّل أي طريق نختار.
نسأل الله التوفيق لليقظة وعدم الاغترار بالعدو الذي هو معنا آناء الليل وأطراف النهار، يزيِّنُ لنا المعاصي الظاهرة والباطنة ..

|