الكثير من الرؤى التي تمحورت حول مفهوم الاحتواء للمرتكزات التكوينية، وأسس تفاعلها لتحويل الشعيرة الى مسرح حسيني، نحن بحاجة الى توطيد العلاقة بين الواقعة والثقافة المعاصرة؛ لمعرفة مفهوم الواقعة كمنعطف تاريخي، أفرز للبشرية البطل الكوني والعالم يعرف هويته الشاملة.
لابد من الانتباه الى المساحة الشعورية الوجدانية المؤثرة في الكثير من المشاهير التي حملتها الواقعة مثل: مشهد ذبح الرضيع، مشهد رمي الدم الى السماء.. هذه رسائل درامية موجهة الى كل ضمير مثل: واقعة السبي، مجلس يزيد، الخطب، الحوارات، دلالات على وجود الفعل الوجداني.
اعترض البعض في المؤتمر التأسيس للمسرح الحسيني، والذي أقامته العتبة العباسية المقدسة على تسمية المسرح الحسيني، بينما هو تعبير يدل على الحالة المسرحية لدى المسلمين.
والمسرح حالة شاعرية وجدانية نحن الأقرب اليها من الغير، فأي اشكال مع العنوان هو اشكال نسبي، نستطيع تطويع هذه التسمية بتطوير آليات العمل المسرحي، والابتعاد عن التجسيد والعمل على استنهاض الفكرة لتكوين خطاب جمالي مسرحي، يرتقي الى كونية الحدث، ويرتكز على الجوانب الروحية، وهذا الجانب الروحي شكل خصوصية وتفرداً، وحين يستثمر العلاقة القائمة بين المسرح والطف الحسيني، ويعتمد التقنيات المعاصرة، ويشتغل على المنظومة القيمية للواقعة، لم ينطلق الحسين من خطأ تراجيدي، وإنما أتحدث عن قرار كوني، أتى بإرادة البطل لا نريد نصوصاً تقرأ الواقع على انها حادثة تاريخية، وهناك مجموعة أمور غيبية وروحية لا بأس بوجود الخيال الذي يرتقي بالخطاب الى انفعالات المتلقي المتفاعل، وعلينا البحث عن الحيز الوجداني في الواقعة، وأن لا ننسى القيم الفكرية.
ومسرح التعزية يسمى في القاموس العالمي تعزية فولتير، وقدم الدكتور محمد عزيزه دراسة دكتوراه عن مسرح التعزية، السيدة أم سلمة هي أول من أقامت الطقس حين فار تراب القارورة وتحول الى دم، وبدأت بالعزاء.
وميزة النص الادبي الانفتاح على دلالات وقراءات متعددة عن الواقعة، ممكن أن ننطلق منها الى عالمية الثورة الحسينية، ونجد أن اشتغالات المبدعين المسرحيين بإثارة مرتكزات القضية الفنية، هي لصياغة روافد مبدعة لعملية الشعائر الحسينية والطقوس الولائية، لتضيف لهذا الأثر الواقع مؤثرات فنية، تستطيع من خلالها الانفتاح على جميع تنوعات العالم وتضاداته؛ لكوننا نحمل المعنى الأسمى للإنسانية.
كذلك تجدنا نوقر المسعى، ونود أن ننقل حرفيات الاحتفاء بكل سماتها ودقائق ابداعاتها, فواقعة الطف لم تكن حدثاً تاريخياً عابراً، والحسين (عليه السلام) لم يكن صاحب ثورة عسكرية سياسية، تهدف الى غايات محددة، وإنما النهضة تعد ثورة الحق على الباطل، رؤيا تحمل المكون الأساسي الذي يحق من خلاله رسم الغد بروح الولاء، ونقدر أن نجدد بها عهد الوفاء، امتزاح رؤى العقل الإبداعي بإيمانية الشعائر، سيولد لدينا أشياء فاعلة مبدعة، قد نحدد نحن ماهيتها.
كما رسمنا اللون الأحمر ملبساً للشمر واللون الأخضر ملبساً لأهل البيت (عليهم السلام) نتيجة فرض طبيعة التشبيه حتى مفردة اللون الواحدة، فراية العباس رفعت باللون الأحمر، هنا تختلف تماماً عن تأويلية الرداء الأحمر للشمر، كان العرب يرفعون الراية الحمراء لمن يُقتل ولم يُؤخذ بثاره.
وأما اللون الأحمر فهو رمز الدم، والتمثيل تقنية حقيقية، حوار زائد سيناريو، زائد تصوير، زائد ملابس، زائد اكسوارات، ولو أتيح لجمهور أن يرى هذه المشاهد لوجد القيمة الاسمى للقيمة التعبيرية التي ترفع راية المظلومية، إذا أردنا ان ننفتح على العالم علينا ان ننفتح عليه بأدواته التي منها الفن.
|