• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : إليك يا ابن عقيل وأنت تدخل تاريخ الإسلام كأول جثة تجرّها الرعاع بأمر الحكومة! .
                          • الكاتب : عبد الله الميالي .

إليك يا ابن عقيل وأنت تدخل تاريخ الإسلام كأول جثة تجرّها الرعاع بأمر الحكومة!

رَمَوك من القصرِ إذ أوثقوك ـــ فهل سلِمَتْ فيك مِن جارحة
وســحـبـاً تُجــرّ بـأســـواقِهـم ـــ ألسـتَ أمــيرَهُـمُ البـارحــة؟
قصة قصيرة
قمرٌ يُعانق السماء
يطوي المدى مثقلاً برسالة الولاء، يحمل بين جوانحه اشتعال ثورة ولهفة عشق، تلوحُ على الأفقِ غمامات سوداء تحمل غدراً، سعفاتُ النخيل تهمس بينها عن تلك الخيانة القادمة من عمق الضمائر المتلوّنة، رمال الصحراء تبكي الغريب القادم إلى حتفه .. صدى كلمات عمّه ترنّ في أذنيه: "ما هي إلا الكوفةُ أقبِضُها وأبسُطُها، إنْ لم تكوني إلا أنتِ تَهُبُّ أعاصيرُكِ" .. يعانقه عشق الوصول وهو يلمح فوق البيوت أزمنة تتعرّى، على مشارف المدينة يسمع نعيب سرب من الغربان ملوحاً له بالرجوع، فتهتف نبضات قلبه: "أنتَ في طريقك إلى الصُلب أيها الغريب".
عشرون ألف سيف ورمح مرمية عند موطئِ قدميه، تنتظر ساعة الصفر، غابة من السيوف والرماح يشمخ بينها الغريب كنخلة باسقة مكتملة الخصب حان قطاف رأسها!
سلطة الدراهم والدنانير لها الغلبة، ليبقى الغريب وحيداً في باحة المسجد، يصلي صلاة الشهادة وخلفه النخيل ينتحب، يلتفت ويتساءل: "أين اختفت تلك الألوف؟ .. أين غابت تلك الوعود والعهود؟ .. أين صليل السيوف وقعقعة الرماح؟ .. أين حمحمة وصهيل الخيول؟"
في الأزقة بريق عيون الذئاب عند كل باب، سيفه يصرخ: لا أمان لكم لا أمان! .. حالة الطوارئ التي فرضها الوالي على الكوفة، زادت من رهبة الظلام .. يضيق به المكان والزمان، الأبواب تغلق وجهها دونه، باعوه بثمنٍ بخسٍ دراهم معدودة .. تُشير بوصلة حافر الجواد إلى بيت امرأة.
في طريقه إليها، ينقل خطاه الثقيلة الواهنة، تعُود به الذاكرة ربع قرن لنفس الفضاء الكوفي، عندما اخترقت مسامعه سهام نقدٍ صوّبها عمّه إلى هؤلاء المتذبذبين من أصحاب الأهواء: "قد مللتُهُم وملّوني، وسئِمتُهُم وسئِموني، اللهم أبدلني بهم خيراً مِنهُم، وأبدلهُم بي شراً مني"
عندما أغمض عينيه المتعبتين، وجد نفسه بين يدي (طوعة) تضمّه بين حدقات العيون وتحميه كأمٍّ تحنو على وليدها .. ولكنه عند الفجر هو على موعدٍ مع الثعالب والضباع تحاصره من كل الجهات .. فـ"بِلال" يبيع مروءته ويقبض ثمن الوشاية، ليعيد للزمان دورته مذ فعلها أسلافه من قبل (يهوذا / أبو رغال / فلان / علّان) .. أمه تصفعه بكلمات اللوم والعتاب: "لماذا خنت الأمانة يا ولدي؟ لماذا ترمي بسهم الخسوف على قمرٍ حائرٍ حطّ في بيتنا؟ لماذا تغرس في قلب أمك خنجراً من عذاب الضمير؟" .. كلمات لم تجد لها صدى عند فتى باع ماء وجهه .. تدور الدوائر على الغريب، وتضيق الأرض عليه بما رحبت، وقد تداعى جدار الولاء، فعن قريب "تلتفُّ القرونُ بالقرونِ ويُحصدُ القائِمُ ويُحطمُ المحصود."
قمرٌ هشّمت وجهه السيوف، يتسلّق شاهق القصر وبه بقية ضوء، لم ينحنِ وهو يصارع حدّ السيوف، فالرجال الرجال يحتفظون بهيبتهم حتّى وهم يجودون لحظة الاحتضار.
يرتشف دماه وقد أعياه الظمأ، يرتقي الغريب منصة الشهادة ويعانق الصليب، يتأمل تلك الوجوه الكالحة التي تجمّعت تحت القصر تنتظر لحظة العروج، فماذا رأى؟ .. رأى وجوهاً مسحتها الرياح، رأى تاريخاً بعثره الحقد، رأى ندماً وأسفاً كامناً بين الضلوع، رأى دموعاً حبسها الخوف أن تهطل، رأى أولئك الذين "قلوبهم معه وسيوفهم عليه" .. ها هو يتحداهم جميعاً، ويحرق قلوبهم بلهيب الندم، عندما يهوي عليهم شهاباً قتيلاً.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=146857
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 07 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 16