يُعدّ أبو جعفرٍ الطوسيّ شيخَ الطائفةِ الإماميّةِ وفقيهَهَا بما حازه من علمٍ ومكانةٍ أهّلته لذلك، وقد ضربَ صيتُه العلميُّ الآفاقَ حتى وصلَ علمُه ومؤلفاتُه إلى بلاد الأندلس، ومن الأندلسيين الذين نقلوا آراءه العلميّة ونسبوها له أبو حيّان الأندلسي (ت749هـ)، فقد ذكر في كتبه آراء شيخ الطائفة الطوسيّ (قدس سره الشريف) في مواضعَ كثيرةٍ، ويظهر مما وصفه به أنّه يمدحه ويجلّه فنجده في تفسيره البحر المحيط (1/45) يقول: (وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطُّوسِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَهُوَ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِمَامِيَّةِ)، وقال في موضع آخر(1/341) في مسألة رؤية الله سبحانه وتعالى: (وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَصْعَبِ مَسَائِلِ أُصُولِ الدِّينِ، وَقَدْ رَأَيْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ الطُّوسِيِّ مِنْ فُضَلَاءِ الْإِمَامِيَّةِ فِيهَا مُجَلَّدَةً كَبِيرَةً)، وقال (4/606): (وَقَدْ رَأَيْتُ فِيهَا لِأَبِي جَعْفَرٍ الطُّوسِيِّ وَهُوَ مِنْ عُقَلَاءِ الْإِمَامِيَّةِ سِفْرًا كَبِيرًا يَنْصُرُ فِيهِ مَقَالَةَ أَصْحَابِهِ نُفَاةِ الرُّؤْيَةِ)، ويتضح من عباراته أنه يحترم علمه ويقرّ له بالصدارة ومدحُهُ هذا من إعجابه بكتبه ولا سيما تفسيره (التبيان في تفسير القرآن).
ومن المواضع التي نقل أبو حيان آراء شيخ الطائفة ما وجدناه في كتابه منهج السالك في الكلام على ألفية ابن مالك، الذي طُبع سنة 2013م بتحقيق الأستاذ الدكتور علي محمد فاخر من جامعة الأزهر، في دار الطباعة المحمدية بمصر في أربعة أجزاء، وهو من الكتب المهمة والقيمة وهو من أوائل ما ألفه أبو حيان إذ كتبه قبل تفسيره البحر المحيط وقبل ارتشاف الضرب والتذييل والتذكرة، بدليل أنه يحيل عليه في كتبه الأخرى، وجدناه في هذا الكتاب(1/186) ينقل رأيا لشيخ الطائفة الطوسي إذ يقول: ( وأما (ظَلّ) فقيل إنه لم يستعمل لها مصدر ورأيت لبعض أهل العلم استعمال مصدرها (الظلول) وهكذا نص عليه أبو جعفر الطوسي في تفسيره)، وقد رجعت إلى تفسير التبيان للشيخ الطوسي فوجدت النص في (1/254): (ومن العرب من يحذف لام ظللت، ونحوها فأما أهل الحجاز فيكسرون الظاء على كسر اللام التي ألقيت فيقولون: ظللنا وظللتم. كما قال تعالى " فظللتم تفكهون " والمصدر: الظلول. فالأمر فيه اظلل والظل ضد القبح ونقيضه).
ومن الغريب أن محقق الكتاب قال: إنه لم يعثر له على ترجمة ، وهذا الأمر يثير العجب وتُكتب فوقه علامات استفهام كثيرة، وهو عذر غير مقبول منه؛ لأنّ تفسير أبي جعفر الطوسي (رحمه الله) حاز من الشهرة ما لا يخفى على أحد، ولا سيما أن المحقق طبع الكتاب في وقت الألكترونيات والانترنت فيستطيع ببحث قليل الوصول إلى ترجمة الشيخ وتفسيره، والأغرب من ذلك أنه عندما عمل فهرسا للأعلام لم يذكر أبا جعفر الطوسي ضمنها!،وأظنّ الذي منعه من العثور على ترجمته أو عدم ذكره في فهرس الأعلام أشياء أخرى لا تمتّ للعلم بصلة.
مما تقدم يمكن أن نرصد:
1/ وصول مؤلفات الشيخ الطوسي إلى بلاد الأندلس.
2/ اعتراف علماء الأندلس بمنزلته ومكانته وعلميته.
3/ وصفه أبو حيان بأوصاف تدل على إكباره له منها: إمام ، من فضلاء الإمامية ، من عقلاء الإمامية
3/ لا عذر لمحقق كتاب منهج السالك في ادعائه عدم العثور على ترجمة للشيخ الطوسي.
وكتب السيد محمد نوري الموسوي ظهر يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من شوال سنة إحدى وأربعين وأربعمئة وألف للهجرة النبوية المشرفة.
المصدر : التراث والتحقيق
|