مقاربة نقدية لعرض الافتتاح ( مفوض عبد ) للفنان حسين مالتوس
في البدء لابد من الاشارة الى ان مهرجان محترف ميسان المسرحي اون لاين يفضي برسالة مفادها ان فايروس كورونا هذا العدو الخفي قد خلل منظومة الكون بمختلف توجهاته الى انه لم بسكت صوت الفن ولن يوقف حركة الابداع لان العملية الابداعية في الغالب تخرج من رحم المعاناة ومن ركام الحروب والازمات..ولكن لابد لهذا المتغير الكبير ان يؤسس لمسرح آخر ولوعي مغاير .. وهذا المطلب ربما نعود لنتحدث عنه في نهاية المهرجان .وحينما تكون الانطلاقة مع عروض الجسد يكون الاختبار للمغايرة اكثر صعوبة باعتبار ان عروض الجسد غالبا ماتكون آلياتها وافدة فهي غير متجذرة شكلا في منظومتنا الجمالية .وهذه العقدة الشائكة كانت واضحة من اشتغالات عدنان نعمة ومنعم سعيد ومحسن الشيخ في بداية الثمانينات من القرن الماضي ولهذا نجد العروض التي حاولت جر عروض الجسد ومنها فن البانتوميم الى طرح الفكرة التي لها مساس باليومي العراقي او العربي حملت معها تناشزا مع اليات وافدة من اشتغالات الفرنسيان مارسيل مارسو وايميل .. وهنا تاتي محاولة حسين مالتوس لتقع في نفس الاشكالية لانها راهنت على آلية الجسد وامكانياته في البث دون الاعتماد على انساق صورية مجاورة لفن البانتوميم. ونحن نعلم ان توجهات ما بعد الحداثة تعتمد الهجنة الجمالية والحياد الفعال للصورة باعتماد الصورة مرتكزا ولكنها تقترب او تبتعد عن بقية الاجناس بما يتطلبه العرض جماليا او معرفي
حسين مالتوس ومن خلال هذا العرض حاول سحب هذا الفن الى اليومي العراقي ولهذا العرض مرجعيات ما قبل كورونا فان مالتوس جاور اليومي العراقي مع حماليات الاداء حيث انه قدم هذا العرض على وفق مقتضيات مسرح الشارع حينما كان الشارع العراقي ملتهبا بالشأن السياسي فقد سحب معاناة المفوض عبد الى المعترك السياسي والمتمثلة بمعاناة رجل المرور من هيمنة المسؤول .. وحينما استجدت الازمة الصحية المتمثلة بفايروس كورونا وجد فيها مادة اخرى لفعل ادائي آخر .. وفي كل الاحوال فان الفن له دور رسالي وانقاذي يجعل منه اي الفن فاعلا من حيث التأثر والتأثير بمجريات الواقع.. فكرة المفوض عبد هي فكرة بسيطة لم تفعل لتصل الى ان تحقق الدهشة والاثارة في الارسال بالرغم من انها حققت الاقناع في التلقي، لان الفكرة واضحة لكنها لم ترقى الى الحفر الشاقولي في اشتغالات عروض الجسد، اذا ما افترضنا ان فنون الجسد ومنها البانتوميم قوامها شاعرية الصورة وعمق الرؤية الاخراجية. مايحسب لمالتوس امكانيته في استغالات الجسد كممثل . وما طرحي لمرجعية هذا العرض على انه قدم كمسرح شارع الا لكون المخرج / الممثل قد يكون مؤثرا في الفضاء المفتوح في هكذا عرض رسالي بخاطب الشارع .فان هذه المرجعية تبيح له بساطة الطرح كون ان مسرح الشارع يقوم على ثنائية النخبوي والشعبي.. اما في هذا المهرجان فان حسين مالتوس حضر ممثلا وغاب مخرجا ، وحينما انطلقت بورقتي حول كورونا وخلهلتها للنظام الكوني لكي نطرح السؤال الاهم.. وماذا بعد؟؟؟ماذا بعد كورونا.. لابد من مسرح آخر ورؤى جمالية ومعرفية مغايرة..
مقاربة نقدية عن مسرحية مونودراما ( اغنية البجع) من تونس
بقلم - د. خلود جبار الشطري
تأليف : انطوان تشيخوف
تمثيل : أمير بنجدوا / تونس
في أيام وليالي اعتشناها جميعاً ضمن حجرنا المنزلي وعزلتنا الإجتماعية التي سببتها جائحة كورونا اللعينة والتي منعتنا من التواصل مع اقراننا وزملائنا وطلابنا ولكن كسبنا الوقت لنقرأ ونبحث وان نشارك جميعنا في مهرجان عربي للمونودراما يوثق لي ولكم تطلعاتنا الثقافية والفكرية في أيام الجائحة .
النص والعرض ...
ونحن نشاهد عرضا مسرحياً من عروض المونودراما الجميلة لانطوان تشيخوف في اغنية البجع ذلك الطائر الذي يرمز الى التناغم والجمال سكرات ممثل ثمل عجوز في فاعة المسرح الفارغة من الجمهور تماماً وهو يغني اغنيته الأخيرة لحبيبته .
فماذا غنى
ڤاسيلي ڤاسيليتش ؟
طرح سؤالاً كونياً في ظل اجواء كورونا من داخل حجره المنزلي مامفهوم الحياة !!!!
فأنا ممثل اتألم من أجل الحب بعد ان افنيت عمري لحبيبتي ! حبيبتي التي احبتني لحسن اداء دوري الذي كنت العبه على خشبة المسرح كانت فتاة رشيقة جميلة بريئة متوهجة طاهرة كفجر ليلة صيف وعندما طلبتها للزواج نظرت لي نظرتها الأخيرة بأن اعزف عن التمثيل ! والخشبة ! لم انسى نظرتها الأخيرة لى حتى في قبري !
كشف المكان في مونودراما فودفيل تشيخوف الساخرة اغنية البجع شخصية ڤاسيلي و الدور الذي لعبه أمير بنجدوا لعبة مدهشة برزت قدرته على مباغتت المتلقى من خلال توظيفه لزاوية صغيرة من زوايا اركان البيت مع قطع الديكور والإكسسوارات وقدرته على تشكيل المكان وانشاء فضاء مسرحي فجر امكانياته الجميلة بدقائق معدودة وهذه هي المونودراما الممثل اولاً وادواته الفنية .
لقد كان الحاضر الرئيسي في عرض ساخر هدفه النقد ومايخبئه الواقع الإجتماعي والسياسي من احداث كان للموسيقى حضوراً فاعلاً ماجعل الممثل يستخرج طاقته الإبداعية دون رؤية اخراجية للعرض او ارشادية مابقاه الحاضر الغائب في مونودراما اغنية البجع .
وفي ختام ورقتي النقدية اتقدم بالشكر الجزيل لجميع المشاركين والى ادارة مهرجان محترف ميسان على استضافتي ضمن كادر لجنة النقد في دورة الفنان د. سامي عبد الحميد .
ابتكار واسلوب عرض مسرحيا تحديا للجائحة منلوج "الشحاذ المحترف هارفي" من مصر انموذجا
بقلم - ذوالفقار البلداوي
منذ ان اجتاح( كوفيد ١٩ ) الكرة الارضية واصبح العالم يلتزم ببيته استجابة لتوصيات الصحة العالمية للوقاية من هذا الفايروس راح العالم يبتكر اساليب وطرائق لاستمرار التواصل الاجتماعي والحفاظ على السمات الانسانية .
حيث جاء مهرجان محترف ميسان المسرحي الدولي للمونودراما مستفزا للجائحة ومتحديا للازمة ، مبتكرا اسلوبا جديدا للعرض المسرحي من خلال استثمار السوشل ميديا وهي نافذة حديثة قد تكون مسرحا كبيرا يدخل البيوت في جميع انحاء الكرة الارضية
فقد اعتدنا على تنوع المسارح بالعالم فمنها :-
المسرح الروماني
مسرح العلبة
مسرح الشارع
و مسرح الاون لاين الذي فرضته هذه الجائحة وهو يعد تجربة جريئة من المؤسسين والمشاركين والذي تجاوز الكثير من عناصر العرض المسرحي الاساسية وركز على حرفنة الاداء التمثيلي للممثل المخرج شاردا من قواعد المونو دراما وباقي انواع المسارح
ففي مسرحية " الشحاذ المحترف هارفي " تاليف محمد عويس وتمثيل علي جيمي من مصر نجد ان الممثل المخرج تخلى عن الالوان واعتمد اللونين الابيض والاسود بصورة العرض وكانه يستحضر مشهد الكينونة لهاملت رائعة شكسبير ( اكون او لا اكون ) متحديا كل الازمات ، بهذين اللونين وهي دلالة ذكية و واعية لما يجري خارج البيت بعد ان توقفت الحياة بجميع الشوارع فهو يعلن استمرار حياة الفنان وعطائه بعد ان انسلخت الحياة من الوانها
اما اسلوب العرض فقد اعتمد جيمي على الاداء التمثيلي الذي حجمته نافذة الموبايل الشخصي لديه وراح يتفاعل مع عالم افتراضيا وكأن قاعة الجمهور هي الكرة الارضية قاطعا بذلك كل القارات غير مكترث للديكور والاضاءة ووووو..الخ
امتاز علي جيمي بخفة الدم والتلوين بالالقاء وحدة الايماءة وقوتها واوصل للمشاهد رشاقة بجسده برغم انه كان جالسا ولو اتيح لجيمي فضاء اوسع من غرفته لامتازت لعبته بعطاءا ورؤية اخراجية رشيقة
لكن اصراره على الجلوس والاداء بهذه الطريقة اوصل بذلك رسالة من خلال عرضه لمأساة الحجر المنزلي الذي اصابت الناس وتحديا للابتكار واستمرار التواصل مع الاخرين
الشحاذ المحترف العاجز من الحركة بهذه الازمة الذي ورث من ابيه ما ورثه استطاع ان يدخل منازل بقارات مختلفة
النص :-
رغم اختزال النص وبساطة العقد الدرامية الذي كتبه محمد عويس وباسلوب مانلوج سردي فيه من الملهاة والمأساة لكنه يفتقر الى تعدد الشخصيات التي تثير الفعل الدرامي وتساعد الممثل على الاداء وتقوية الفعل الدرامي
وبكل الاحوال كان عرضا مسرحيا اون لاين ممتع ، فيه من الايقاع وحرفنة الاداء التمثيلي ما يجعلنا نستبشر خير بممثل عربي واعد يعي ما يعمل يمتلك ادوات ممثلا رشيقة ومحترفة واذا ما استمر سيكون نجما مسرحيا بالمستقبل القريب .
وهي تعد تجربة مهمة وصلت الينا بضروف صعبة اعتمدت على التحدي واصرار الفنان على اداء رسالته الانسانية وان كان محجور ببيته او باي مكان
فمسرح الاون لاين تحديا و اسلوبا وابتكارا يختلف عن باقي انواع المسارح
بيئته المكان الذي يتواجد به الممثل ليعرض نتاجه شرط ان يتوفر به انترنت وجمهوره في اي مكان يتوفر فيه انترنت (فالحاجة ام الاختراع )
عرض مونودراما ( حب الفن ) من الجزائر رسالة من تحت الحَجر
بقلم - حيدر عبدالله الشطري
لا يمكن ان نتناول عرض ( حب الفن ) الذي قدم ضمن مهرجان محترف ميسان الدولي للمونودراما بمعزل عن معرفة كاملة بالظروف التي يمر بها العالم والواقع الذي فرضته جائحة ( الكورونا ) والتي ترتب عليها الكثير من الحالات التي غيرت في طبيعة العلاقات الانسانية , وكذلك لا يمكن لنا ان نتحدث عن هذا العرض بعيداً عن الاشتراطات الفنية والتنظيمية للمهرجان الذي يسعى الى ان يكون العرض مباشرا (on linen ) يقدم من داخل البيت لممثلٍ يعاني من فعل الحجر الصحي الذي تتطلبه الحياة الجديدة مع هذا الفايروس .
وبذلك نستطيع ان نقول ان العرض ايضا يعاني من الحجر على اعتبار انه يُقدم دون متطلبات ومستلزمات العرض المسرحي , وهكذا ستكون الملامح الابداعية في مثل هذه العروض صعبة المنال وعصية على التحقيق الا على الذين يعرفون كيفية تعويض كل هذه النقوصات التي تعتري العرض وايجاد بدائل فنية ستكتفي بها عملية التقديم وحينها سنكون امام عرض نقبل به في تلك الظروف الخاصة .
لقد كانت فكرة المهرجان بتقديم عروض مونودرامية هي فكرة تنبع من اصل الشعور الذي يعانيه مقدم العرض ( المنعزل, المنفرد, الوحيد, المحجور ) والذي بالتالي يكون بحاجة الى مساحة من البوح الانساني في التعبير عن صراعه مع القوى الخارجية التي ارغمته على شكل هذه الحياة الجديدة التي كرست للتباعد بين الناس.
ولقد كان مقدم العرض (كريني نور الدين) يعي ايضا الاعتبارات الطارئة والاملاءات الفنية والتقديمية التي فرضت عليه في تقديمه لهذا العرض وحاول ان يجد بدائل فنية بالاعتماد على اداءه الحركي والتمثيلي وبالتالي تقديم توليفة مسرحية تجعلنا نقف امام هذه التجربة باحترام وتقدير كبير لها والتي تسعى الى بث الروح في كل مفاصل الحياة مقابل كمية الموت الهائلة التي تحاول الجائحة ان تفرضها على حياة الناس في ارجاء المعمورة.
النص
تأسس نص العرض على تقديم شخصية تعاني من الانعزال وتجد نفسها امام تحديات كبيرة وتحاول ان تبحث في اسباب الحياة التي يجب ان تعمّ مقابل من يريد ان يسلبها , فهي تعاني من صراع مع قوى خفية يجب ان تنتصر عليها لا سيما وانها تمتلك الصفات الشخصية كونها سوف لن تستسلم للموت وستحارب بضراوة في سبيل ذلك.
اعتمد النص على الطرح الكوميدي في بعض مفاصله في التعبير عن افكاره ورسائله التي يريد ان يوصلها للمتلقي ...واجترح المؤلف لنصه هذا الاسلوب الذي يناقش الالم الذي تعاني منه الشخصية المنودرامية باسلوب السخرية والذي لا تمتلك اكثر منه في هذه المواجهة العسيرة مع قوىً خارجية متسلطة والتي ربما ستكون خاسرة فيما لو لم تعتمد هذا الاسلوب في التعامل معها في كل مرة.
لم يكن النص يبحث في مشاكل وجودية وانسانية كبيرة وكان بمثابة رسالة بسيطة في طرحها وكبيرة في معانيها تبحث في اسباب العيش والتواصل الانساني دون الانهزام امام التحديات التي تتعرض لها .
ولم نكن ننتظر اكثر من ذلك في الطرح الفكري لنص يشتغل في مساحة جغرافية ضيقة والفسحة التأملية الكبيرة سوف نجدها في الدلالات والمعاني التي يثيرها في رسائل مشفرة تارة واخرى مباشرة .
العرض
حاول العرض ان يشتغل على فكرة الاقتصاد في التعبير الفني والاعتماد على ما يتوفر في هذه المساحة التقديمية الصغيرة ( الركح ) والتي هي بمثابة السجن الذي يعاني منه المحجور صحيا ولم يكن امامه سوى اختصار المساحات وتكثيفها لصالح الاختزال الذي يزيد من تكريس العزلة الذي تعاني منه الشخصية والذي لم تكن تحتاج الى اكبر منه ملعباً لتلعب على اديمه .
يبدا العرض بحركة رتيبة لكرسي هزاز فارغ يتحرك موحياً بالغياب ومنذ الوهلة الاولى نتوقع ان العرض سيشتغل على جدلية ( الحضور...الغياب ) لا سيما وان الشخصية تظهر فجأة على الكرسي بعد ان كانت مخبأة تحت قماش يلفه وليعلن حضوره بقوة .
استفاد مقدم العرض من تقنيات العرض المونودرامي في استجلاب شخصياته الاخرى وحضورها غير المادي واستعان بذلك بجهاز التلفاز الذي تظهر عليه شخصية اخرى تعلن عن طرفِ صراع ثانٍ لابد من وجوده لاقتراح مادة درامية لعرض مسرحي , وقد كانت تلك الالتفاتة موفقة بقدر الاستخدام الدال والواعي لجهاز التلفاز في تعميق مساحة الصراع الذي تعاني منه الشخصية الرئيسية .
ويستمر العرض الى ان يصل الى بث رسالته الاخيرة حيث يقوم الممثل بإلقاء شعري لقصيدة يختتم بها عرضه تختصر كل الرسائل التي اجتهد في ارسالها العرض.
التمثيل
تمتع ممثل العرض بالجاذبية والحضور الفاعل والمؤثر في تجسيده لهذه الشخصية وكان حريصا جدا على اظهار قدراته الحيوية التمثيلية , وقد تبين تمكنه من ادوات الممثل الكوميدي ومهاراته , وقد حاول جاهداً الانتقال من فعل تمثيلي الى اخر بانسيابية وتحول مقنع .
واخيرا نود الاشارة الى ان خوض مثل هكذا تجربة يعد تحدياً كبيرا في عدم الاستسلام الى ظروف قاهرة افرزتها التغييرات التي حدثت في العالم والتي اسست الى عدم التواصل في الوقت الذي يسعى فيه المسرح الى تأكيد مهمته باعتباره من اهم وسائل الاتصال , فكانت روح المسرح حاضرة في محاولات تغييب ممنهج لحضور قسري لقدرية يجب ان لا يقف الانسان ازائها مستسلماً فكيف بالمسرح الذي يسعى الى بناء حياة حرة وكريمة للانسان...
انها فرصة لمشاهدة عرض في سابقة تاريخية مهمة حيث ان جمهوره امرأة واحدة فقط هي شريكة الممثل في مكان الحجر ومن ثم سنشاهده نحن عبر وسائل الاتصال الحديثة , هي ربما مفارقة ما كنا لنتوقع انها ستحدث يوما واعتقد انها صورت لنا باختصار ما حدث للعالم والذي يجب ان نقف بمواجهته جميعاً وليكن المسرح هو اول اماكن المواجهة ونقطة الشروع نحو الانتصار على كل ما يهدد امن الانسانية.
مقاربات نقدية لعروض مهرجان المونودراما اونلاين لليوم الثالث
#عرض ( سكر مر ) من سوريا ..جدلية الحضور والغياب
بقلم حيدر عبدالله الشطري/ رئيس لجنة النقد
يتأسس الخطاب المسرحي الواعي المعبر تعبيرا حياً عن آمال وتطلعات الانسان على اعتباره انه يتشكل وفق تطور العملية المسرحية ومنظوماتها التعبيرية والجمالية والفكرية , وكذلك عندما ترتبط هذه العملية الابداعية بأواصر علائقية وثيقة مع كل المتغيرات في المنظومة السسيولوجية المتحركة باتجاهات جديدة وفي احايين كثيرة.
وان عملية التوازن بينهما هي من يحدد ملامح هذا الخطاب الذي سيتأسس ملائما لاستيعاب واحتضان طروحات لا تذهب بعيدا عن الواقع...ومعنى الحضور والغياب باعتبارهما ثنائية جدلية يتوقف عليها مصيرالوجود الانساني في الكثير من المناسبات بكل الامه واوجاعه ومعاناته , يعد موقفاً فكريا تَناوله الادب كثيرا والمسرح خصوصا كونه ارض ثرية وخصبة لاجتراح نص ابداعي درامي يشتغل في منظومة هذا الوجود والذي يبحث فيها كثيرا الخطاب المسرحي الفاعل الذي يناقش مشاكل الانسان في كل زمان ومكان .
وتتباين نظرة الكتاب في هذه الجدلية وفقاً لمعانيها ودلالاتها ورسوخها في متبنياتهم الفكرية وطريقة تعبيرهم عنها بما تمليه عليهم نظرتهم الخاصة لها .
ويتجلى ذلك في عرض ( سكر مر ) الذي يبحث في معنى الغياب الذي دائما ما تعاني منه شخصية المرأة في نصوص الكثير من كتاب المسرح العالمي والعربي والمحلي , ويتكرس ذلك في نصوص الكاتب الاسباني فردريكا غارثيا لوركا وخاصة مسرحية ( الانسة روزاليتا العانس ) والذي اعتقد ان نص عرض ( سكر مر ) قد اعد عن هذا النص .
النص :ـــ
يرتكز نص عرض ( سكر مر ) على معاناة امرأة عانس وصلت الى عمر الخمس واربعون سنة وهي بانتظار حبيبها الذي تركها منذ خمس وعشرون سنة حتى تصل اخر رسالة من تخبرها بانه قد تزوج .
ويقول أحد النقاد ( إن شخصية روزيتا العانس في المسرحية التي تحمل اسمها تشبه إحدى قريبات لوركا ) بمعنى انه كان قريبا على هذه التجربة الانسانية المريرة الذي استطاع ان يجسدها بكل تفاصيلها وقد عرف عنه انه قد تناول الكثير من مشكلات المرأة في نصوصه التي كتبها .
لقد اراد لوركا في هذا النص ان يكرس صورة العزلة في حياة ( روزاليتا ) وهي بالتالي صورة لنساء كثيرات او ( روزاليتات ) تتوزع على كل المجتمعات وتعاني منها الكثير من النساء في اماكن كثيرة من العالم وفي كل العصور.
وقد احسنت المعدّة ( وفاء غزال ) في استثمار هذه العزلة والتهميش في تشكيل فضاء مسرحي منغلق لحياة امرأة في عرض مونودرامي يشترط ان يكون للعزلة فيه دورها في حياة البطل ومن ثم يأتي البوح ليلعب دورا اخراً يعبر عن نفسية منكسرة وغير متوازنة نتيجة الفعل المأساوي الذي وقع عليها.
استطاعت المعدّة ان تجترح من النص الاصلي منولوجاً طويلا واعادة انتاجه وفق رؤية خاصة ترتكز على بناء درامي افقي يسير باتجاه تأكيد معاناة الشخصية ويستمر لتعزيز فكرة النص وبتوأمة فنية مع طبيعة العرض الخاصة وبتحقق هذا الانسجام نكون امام نص مونودرامي لا يذهب بعيداً في طروحاته اكثر مما يتطلبه نص الممثل الواحد او الصوت الواحد مع حاجة النص لاستحضارات واستدعاءات اكثر للشخصية التي تدعم فكرة الحضور المنعدم بوضوح والغياب الحاضر بقوة .
العرض :ـــ
كانت مقدمة العرض وممثلته الوحيدة على وعي كامل بالمعطيات المحدودة لها في تسيير عرضها نحو مثاباته التي تسعى الى وصولها وكانت امام تحدي كبير في محاولة تجاوز ذلك وقد لجات الى معالجات فنية استطاعت ان تتخلص فيها من الارتباكات التي من الممكن ان يقع فيها العرض فكان لجوؤها الى تحويل غرفتها الى خشبة للعرض واحدة من هذه الاساليب التي انتشلت العرض الى الضفة ستكون اكثر امناً وموائمة لتمرير افكارها وطروحاتها فكانت الغرفة خير مكان لامرأة تعاني من الغياب بفراش خالٍ ودواليب فارغة الا من اشارات الذكريات الاليمة وبدلة العرس التي لم تتوسم بلبسها الى الان , وقد كانت موجودات الغرفة تحوي الكثير من ادوات الغياب وتشي بعلاماته ودلالاته التي تتمظهر على سلوك الشخصية من بداية العرض الى نهايته , ولقد كان تأسيس هذا المكان وفقاً لافكار النص المعد تنم عن نضج فني يتلمس التجربة باعتبارها تحدياً يفضي الى طروحات جمالية يجب ان يتسم به العرض المسرحي الدال .
التمثيل : ــ
استطاعت ممثلة العرض ( وفاء غزال ) ان تجسد شخصية امرأة قد فاتها قطار العمر رغم صغر سنها بتمكن واضح وانسيابية في الاداء الحركي الذي تتطلبه الشخصية , وكانت على دراية كاملة بالانتقال السلوكي للشخصية والذي يتطلب منها تحولا ادائيا مستمراً في كل حالة من هذه الحالات التي تعيشها , وبذلك قدمت تنوعاً تمثيلياً كان يصور ( روزاليتا ) بكل بؤسها وانعزالها وتعبيراتها السيكولوجية المتعددة فتارة تضحك واخرى تبكي ومن ثم تغني بهارموني ادائي متماسك ومنسجم ومعبر .
فكنا امام ممثلة مُجيدة تمتلك ادواتها التعبيرية وتشتغل فيها حسب متطلبات الدور وتستطيع ان تكون قائدة لعرض طويل يعمل باشتراطات المسرح المتكاملة لأنها تعرف اسباب النجاح وتعمل عليها بوعي كامل.
واخيرا لابد من الاشارة الى ان اختيار هذا العرض لتقديمه في هذا المهرجان وفقاً لظروف الحجر الخاصة التي تحدثنا عنها في مناسبة سابقة هو اختيار دقيق يعبر عن خصوصية المرحلة التي تؤسس للعزلة ومحاولة الانتصار عليها وتجاوزها وبذلك جاء العرض منسجماً مع متطلبات هذه المرحلة ومؤرشفاً لها وسنتذكرها يوما ما ونقول اننا تبنينا موقفاً انسانيا يمليه علينا واجبنا الاخلاقي باعتبار اننا مسرحيون لا يمكن ان نستسلم لضغوطات خارجية دون ان نقف بمواجهتها لا سيما وان الاخرين ينتظرون ان يرونا هكذا...واقف بكل حب الى جمهور العرض الذي اقتصر على عائلة الممثلة ( الام , الاب , الاخت , الاخ) .
# مقاربة نقدية حول مسرحية ( حلمه ) من المغرب
بقلم – الدكتورة خلود جبار الشطري – عضو لجنة النقد
مهرجان محترف ميسان المسرحي الدولي للمونودراما اون لاين دورة عميد المسرح سامي عبد الحميد
مسرحية : حلمه
اعداد وتمثيل واخراج : أيوب نخزين / المغرب
مونودراما جسدت كابوس إنسان محجور داخل قصبان الكورونا والواقع الذي فرض على العالم أجمع .
فحوار الشخصية كان أقرب الى المنولوج الداخلي وفكرة انتظار شخص حالم وفكرة خروجه من قضبان هذا الكابوس بلغة عاجزة عن تحقيق التواصل الإنساني بين الأحباب والأصدقاء والبشر اذيقول الممثل أيوب نخزين :
كان ...حلماً ووجهي مرايا
وعيني تغمسها الدموع
ابعدي عنا أيتها!!!!!
سيري وخليني أنسى همومي وأشوف إ خواتي وأحبابي
و يقول ايضاً: تحول وجهي مرآة ً في المنام وكأنه أصيب بمصيبة ٍ أو أصبح مقيداً بسجن في المنام وهو ينتظر من يحرره من الكابوس الذي أحاط كل شيء من حوله وأبعد من ذلك .
وهنا استغل الممثل أيوب فكرة الإنتظار واشتغل عليها داخل قضبان حولته الى إنسان معدم مهمش منعزل تماما عن الأصدقاء والأحباب .
ماهذا الحلم الذي حول وجهي الى مرايا !
ماهذا اللغز الذي يحاصرني بين جدران أربعة !
حالم في عالم منعزل !
إن فكرة المسرحية هي رمزية صورة تعكس توقف الزمن وعذابات الإنسان بين محجره في جدرانه الأربعة فالرؤية الفنية للمخرج برزت تعابير وجه وحركات جسد ه و الديكور والاكسسوارات محاولاً في توظيف سينوغرافيا المكان بشكل جميل جدا , أما المؤثرات الصوتية فقد غلب عليها طابع جميل في إثارة وتحريك الشخصية الا ان صوت الشخصية كان يحتاج الى دفع اكثر من ذلك .
جهود تستحق المشاهدة مكللة بالتفوق والإرتقاء وعمل جسد قدرة أيوب على الخيال والمرايا والإنتظار شكرا ومبارك لك وانت ترتقي منصة الدار لتبدع .
#التحولات العلاماتية في سينوغرافيا العرض المونودرامي قراءة في مسرحية (حاوية) من لعراق
بقلم – الدكتورة ايمان الكبيسي – عضو لجنة النقد
تُبنى معادلة الفعل الجمالي للعرض المونودرامي على اساس العلاقة ما بين الممثل والعناصر البصرية الاخرى ومنها المنظر الذي يكون ضاغطا لاستمرار بيان ابعاد الشخصية المتعارف عليها، عبر انساق من التحولات العلاماتية لعناصر بنية هذا الشكل الدرامي، ما يقدم مثيرات عقلية وحسية متفاعلة توفر للمتلقي لذة جمالية تتباين بين شدة وخفوت على وفق استثمار تلك العناصر التي غاب الكثير منها في نوع من العروض المونودرامية (اون لاين) شكلت ظاهرة جديدة لها مالها وعليها ما عليها، الا انها شكلت تجربة تستحق الوقوف على اطلالها واستنباط نتائجها وايجابياتها والعمل على تطويرها وانضاجها، ونحن في زمن الجائحة الذي فرض علينا عزلة وابتعاد احترازي، يأتي المسرح ضاغطا جماليا فاعلا، ساعيا الى المتلقي، متنازلا عن تفاعليته واحتكاكه المباشر مع المتلقي الى التواصل (اون لاين) الذي ربما يفقد المسرح الكثير من امكانياته وجماله، لكنه يصرخ بقوة انه حاضر ومتواجد في الازمات، وهذا ما وجدناه في اعمال مهرجان محترفي ميسان المسرحي للمونودراما، ومنها مسرحية انضوت تحت عنوان (حاوية) ليخلق شفرة ذات مدلولات متعاقد عليها في ذهن المتلقي توحي بظروف وواقع الشخصية وهامشية مكانها، وهذا عُرفت به الكثير من العروض المسرحية ما بعد الحداثة في ذهابها الى الذات والامكنة المهمشة، فقد اختار (ابراهيم الشذر) من عنوان الحاوية دلالة تحيل إلى مدلولات سيسيولوجية وثقافية تعيشها الشخصية وتمثل الـ (الباكراوند) لها، متخذا من (الجوع ) ثيمة رئيسة للعرض وما لها من تأثير في السير الحدث وآلية بناء النص، بعد ان جعل من الجوع ضاغطا قصديا على كل قرارات الشخصية وتحولاتها اثناء العرض، فكان دافعا للشهادة ليس حبا للوطن انما حرصا على توفير غذاء ودواء لام مريضة، كما كان سببا في جعل الشخصية على استعداد لبيع قيمها(الشرف، الكرامة) في حضور الجوع، فالجوع كافر هو الثيمة الرئيسة التي وضُعت ضمن حدث دائري ينتهي الى حيث البداية التي انطلق منها الفعل كونه عمل مونودرامي.
تشكل نص العرض بصياغة فنية توافقت والذاكرة الجمعية لمجتمعنا العراقي، هادفا لمناقشة قضايا ومشكلات يعاني منها الناس، معتمدا على توليفة افتراضية بين الواقع المعيش ومشكلاته وزمن الحدث الافتراضي الذي ظهر مع انطلاق الفعل عبر اشارة صوتية توحي بدقات الساعة معلنة بداية الحدث او ربما احالة الى اننا نعيش الان هذا الحدث، ورغم انه اعتمد زمنا مفتوحا غير محدد، لكن مُعِد النص ومقدمه حاول تعريقه عبر علامات كثيره تشير الى معناها لدى الفرد العراقي، ومنها ما نجح في استثماره دراميا بعد التعاطي معه الى تحولات علاماتية متنوعة على سبيل المثال مكان خروج الممثل في بداية العرض وهو يحليه الى انه ( قبر، وقبو تارة وسريرا تارة اخرى، وتنور للخبز، منصة للمزاد)، هذا التعاطي الفاعل مع هذه القطعة المنظرية رمزيا واشاريا غاب في تعامله مع الحاوية التي اكتفى بمعناها الايقوني المتعارف عليه على سبيل المثال قناني تعبئة الوقود في مقدمة الفضاء احدى العلامات الايقونية التي تنزاح نحو تعريق الحدث في اننا وبرغم خيرات بلادنا غير المحددة لكننا نعاني الجوع والفقر، فكل شيء في الفضاء المسرحي لابد ان تكون له وظيفته داخل العرض وهنا قد يكون (ابراهيم الشذر) لجا الى وضع اللون الابيض في خلفية الفضاء كأنه يحيلنا الى تكفين الحدث او الشخصية وان كل ما نشاهده، لا يمت للحياة بصلة وقد عززه باللون الاسود عبر قطعة القماش السوداء التي لفت المكان بأغلب تفاصيله، فاللون الاسود رمزا يشير الى الموت على وفق مرجعيات المتلقي وموسوعته. وما جرى في توظيفه للمرآة التي شكلت الصورة الداخلية لذاتها وهو يحدثها عبر بوح من نوع خاص اتخذ سمة الحوارية ما وضعنا امام الجدلية القائمة لمفهوم المونودراما من انها تشكل على المسرح فعل(الصوت الواحد، ام الشخصية الواحدة، ام الممثل الواحد)؟
يتنوع الأداء في المسرح المونودرامي ما بين التقمصية والتقديمية مع اعتماد التقديمية على الطريقة التقمصية كأٍسلوب أدائي، وصولا الى هيمنة الشخصية (التقمصية) من اجل التوغل العميق في عوالم وتداعيات الشخصية الرئيسة، وفي هذا العرض كان الاداء التمثيلي فقد كان اقرب الى تقديم الحالة من تجسيدها بعد ان انزاح نوعا ما عن الجانب العاطفي والجسماني الذي ربما لو عمد اليه لكان احدث بواعث نفسية اضفت صدقا ادائيا بالغ التأثير في المتلقي، لاسيما في حواره مع الذات عبر المرآة وما يتطلبه من مهارة حركية وصوتية تؤهله لتقديم الشخصية وابعادها، وكذلك في خطابه الاحتجاجي ضد السلطة الدينية التي احال اليها الفقر والجوع كنتائج لممارساتها وتسلطها، لكنه لم يكن موفقا في اختياره لبعض الطقوس الدينية في لمحة احتجاجية على هذه السلطة في انه ذهب الى طقس محدد لطائفة دينية معينة ولم يذهب الى ممارسات عامة ضمن الدين الواحد.
لقد نجح (المعد/ المخرج) في استنطاق العديد من العلامات، عن طريق القطع المنظرية والالوان وبعض المؤثرات الصوتية والايقاعات، مع مراعاة ظروف العرض بوصفه عرض (كورورني) (اون لاين) حدد الكثير من الجماليات التقنية التي كان من الممكن استثمارها في العرض المونودرامي كالموسيقى والاضاءة وتأثير غيابها في الارباك الحاصل في بث العلامات والفصل بين علامة واخرى. وكان حاذقا في اثبات الواقع الكوروني على العرض الذي يفترض العزلة والتباعد، لاسيما في اظهار محدودية عدد المتلقين نهاية العرض والابقاء على تواجدهما ضمن التسجيل المعروض بوصفهما عائلته الصغيرة.
|