• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : معرفة الله تعالى .
                          • الكاتب : عباس الزيرجاوي .

معرفة الله تعالى

 عن الإمام علي "عليه السلام" أنّه قال: (ما يسرّني لو متّ طفلاً وأُدخلت الجنّة ولم أكبر فأعرف ربّي) [كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال 1-10 ج7-ح 36468].
جاء في النّصوص الدينية أنّ الأطفال إذا ماتوا أدخلهم الله تعالى إلى الجنّة، ففي الحديث الإمام الصادق عليه السّلام : قالَ موسَى بنُ عِمرانَ عليه السّلام : يا رَبِّ ، أيُّ الأَعمالِ أفضَلُ عِندَكَ ؟ قالَ : حُبُّ الأَطفالِ ؛ فَإِنّي فَطَرتُهُم عَلى تَوحيدي ، فَإِن أمَتُّهُم أدخَلتُهُم بِرَحمَتي جَنَّتي. [المحاسن: 1/457/1057 عن المساور، مكارم الأخلاق : 1 / 505 / 1751.
لذلك فقد يتمنّى الكثير من النَّاس أنّهم قد ماتوا في الطفولة ولم يتعرّضوا للآلام والأحزان في حياتهم، إلاّ أنّ الإمام علي "عليه السلام" يبيّن لنا في هذه الكلمة القيّمة أنّ الهدف من الوجود ليس الجنّة، وإنّما شيء أعلى من ذلك، ألا وهو معرفة الله تعالى، وما قيمة الجنة من دون المعرفة؟
إنّ الجنة المشتملة على ملذّات الطعام والشراب هي درجة دانية، أمّا جنة المعرفة فهي أعلى الجنان، يقول تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة/72].
وجاء في مناجاة الإمام زين العابدين "عليه السلام": (إلهي من ذا الّذي ذاق حلاوة محبّتك فرام منك بدلاً، ومن ذا الّذي أنس بقربك فابتغى عند حولاً) [مناجاة المحبين].
ولا يعرف أهمّية نعمة جنّة المعرفة إلاّ من ذاق طعمها، أمّا غيره فلا يبالي بها، ومثله كالحيوان الّذي يأكل الحشائش ولا يعلم أنّ في الوجود طعاماً أفضل منه.
وهنا نبين المعرفة بشكل مختصر:
عن الإمام علي (ع) قال: (...أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْديقُ بِهِ، وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ، وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الاِخْلاصُ لَهُ، وَكَمَالُ الاِخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ...) [نهج البلاغة/ خطبة1].
اتفق العلماء كافة على أن معرفة الله تعالى واجبة على كل مكلف، لأنها أساس الدين وأوله كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "أول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به". واعلم أن هذه المعرفة لا تكون بالتقليد والإتباع، وإنما تأخذ عن طريق النظر والتفكر والبرهنة، التي دعا إليها القرآن الكريم .. قال الله تعالى في الحث على النظر والتفكر: (أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ...) [الاعراف/185]، (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) [الغاشية/17-19]، (فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً) [عبس/24-26]. وقال الله تعالى في ذم التقليد : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) [البقرة/170]، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا) [لقمان/21].
ومن الأدلة على وجود الله النظر في الكون والمخلوقات قال تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة/164]، من تأمل في الآية السابقة عرف أن الله تعالى يدعو الإنسان إلى التأمل والتفكير في المخلوقات المحيطة به، لأن من تأمل في هذه الآيات سيتيقن بأن لها صانع قادر عالم حكيم غني غير محتاج قد صنع وأبدع هذا الكون ومخلوقاته بنظام دقيق محكم؛ لأن العقل يرفض مبدأ الصدفة في وجود هذا النظام ومخلوقاته، بل لابد لها من صانع صنعها.
وجاء في تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)أنّ رجلاً قال للإمام الصادق عليه السلام : يا بن رسول الله دلني على الله ما هو؟ فقد أكثر المجادلون علي وحيروني. فقال له: يا عبد الله هل ركبت سفينة قط؟ قال: بلى. فقال: هل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال: بلى. قال: فهل تعلق قلبك هنا لك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ قال: بلى. قال الصادق عليه السلام: فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حين لا منجي، وعلى الإغاثة حين لا مغيث .[ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ٤١].
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=140121
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 12 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15