• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : أخبار وتقارير .
              • القسم الفرعي : نشاطات .
                    • الموضوع : اليوم العالميُّ لمكافحة الفساد .. وقفة تاريخية .
                          • الكاتب : هيأة النزاهة .

اليوم العالميُّ لمكافحة الفساد .. وقفة تاريخية

اِختارت الجمعيَّة العامَّة للأمم المُتَّحدة التاسع من كانون الأول من كلِّ عامٍ يوماً عالمياً لمكافحة الفساد؛ من أجل إذكاء الوعي المجتمعيِّ بمشكلة الفساد، وضرورة مواجهته، بعد أن اعتمدت اتفاقيةً دوليةً لهذا الغرض عام 2003 عُرِفَت بـ(اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد) التي تُعَدُّ الأحدث في سلسلةٍ طويلةٍ من التطوُّرات ذات التأثير بعيد المدى لمكافحة الفساد؛ لكونه يُعَدُّ جريمةً اقتصاديَّةً مُستمرَّةً بحقِّ الشعوب لها تأثيرٌ واضحٌ في تقويض قيم الديمقراطيَّة والتنمية المُستدامة وسيادة القانون.
إنَّ اتفاقية الأمم المُتَّحدة لمكافحة الفساد اتفاقيةٌ مُتعدِّدة الأطراف تتفاوض بشأنها الدول الأعضاء في الأمم المُتَّحدة، وتمثل أول صكٍّ دوليٍّ لمكافحة الفساد ملزم قانونياً (إذ تُوجّدُ اتفاقيات مكافحة فسادٍ رئيسةٍ أخرى على المستوى الدوليِّ، ولكنها قد تقتصر إما على مناطق مُعيَّنةٍ من العالم أو مظاهر مُعيَّنةٍ من الفساد) وترمي إلى إيجاد تدابير فعالةٍ ضدَّ أشكال الفساد على المستويين المحليِّ والدوليِّ (كما لم تتم تغطيتها من قبل العديد من الصكوك الدوليَّة السابقة)، إذ أُدرِجَت في هذه الاتفاقيَّة تدابير جديدة لمواجهة الفساد تتَّضح في ثنايا فصولها، كما في فصل التعاون الدوليِّ وفصل استرداد الموجودات وفصل التدابير الوقائيَّة.
وتضمُّ هذه الاتفاقية (71 مادَّة مُقسَّمة على 8 فصولٍ) تحضُّ الدول الأطراف على عدَّة (إجراءات) لمكافحة الفساد التي قد تؤثر في القوانين والمُؤسَّسات والممارسات بهدف منع الفساد وتجريم بعض التصرُّفات، وتعزيز إنفاذ القانون والتعاون القضائيِّ الدوليِّ، وتوفير آليات قانونيَّةٍ فاعلةٍ لتنفيذ الاتفاقيَّة، منها استرداد أموال الفساد المُهرَّبة للخارج ومتابعة المُتَّهمين المطلوبين، والمساعدة التقنيَّة وتبادل المعلومات، وعقد مؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية واستعراض الأقران؛ لمتابعة مدى التزام الدول بتنفيذ بنود الاتفاقيَّة.

إنَّ الحكومات والقطاع الخاصَّ والمجتمع الأهليَّ والمُنظَّمات غير الحكوميَّة ووسائل الإعلام والمواطنين في جميع العالم مُكلَّفون بشكلٍ تضامنيٍّ لمكافحة جرائم الفساد، كما أنَّ برنامج الأمم المُتَّحدة الإنمائيِّ ومكتب الأمم المُتَّحدة المعنيِّ بالمُخدَّرات والجريمة يحتلان موقع الصدارة فيما يخصُّ جهود مكافحة الفساد، والهدف (16) من أهداف التنمية المُستدامة والغايات المُرتبطة به تُوفِّرُ أنموذجاً للعمل في ذات الإطار.
والعراق إذ يُعَدُّ أحد أطراف هذه الاتفاقيَّة بموجب القانون رقم (35 لسنة 2007) مُمثلاً بهيأة النزاهة فإنَّ اليوم العالميَّ لمكافحة الفساد لهذا العام يكتسب فيه أهميَّة خاصَّة، فهو يأتي مُتزامناً مع الحراك الشعبيِّ المنبثق عن مدركات الجماهير والمُؤيَّد بتوجيهاتٍ واضحةٍ ومُتواصلةٍ من المرجعيَّات الدينيَّة وتشترك فيه مختلف النخب الثقافيَّة والقوى الوطنيَّة والمدعوم بمواقف دوليَّةٍ لإجراء الإصلاحات الشاملة على المستويات كافة وفي جميع الاتجاهات (سياسيَّة وتشريعيَّة واقتصاديَّة ... وسواها) تنعكس على المواطنين؛ لتحقيق مطالبهم في الحريَّة والعدالة الاجتماعيَّة، هذا من جانبٍ ومن جانبٍ آخر تقترن هذه المطالب بتعاظم التحدِّيات أمام مختلف السلطات التشريعيَّة والتنفيذيَّة والقضائيَّة لإنجاز الإصلاحات، ويأتي في مُقدِّمتها مكافحة الفساد ... وعليه فإنَّ الحدث يُمثِّلُ فرصةً تاريخيَّةً ينبغي التوقُّف عندها؛ لمراجعة المسار الوطنيِّ والجهد المبذول ومستوى الدعم المُقدَّم للمُؤسَّسات الرقابيَّة في مواجهة الفساد بعد أن أصبح واضحاً تزايد الوعي المجتمعيِّ بتأثيرات الفساد على اختلاف مظاهره وتنوُّع أشكاله التي أدَّت إلى هدر الطاقات الوطنيَّة (الماليَّة والبشريَّة) وكانت عائقاً أمام جهود الإعمار والتنمية، فضلاً عن أنَّ الجميع يتَّفق على ضرورة تعزيز جهود مكافحة الفساد؛ لأنَّه يتعارض مع الأسس والقيم التي تقوم عليها ثقافتنا بمكوِّناتها الوطنيَّة والاجتماعيَّة والدينيَّة ويلتهم ثرواتنا ويتسبَّب في إعاقة الاستثمار الداخليِّ والأجنبيِّ، ويخفض كم ونوع الخدمات الأساسيَّة المُقدَّمة للمواطنين ويُعطِّلُ حكم القانون ويُهدِّدُ استقرار المُجتمع وأمنه؛ ولذا تبرز الحاجة إلى شحذ الهمم وتوحيد الكلمة والموقف ضدَّ الفساد والمفسدين، وتنسيق الجهود الدوليَّة والمحليَّة في مجال تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد.

دائرة البحوث والدراسات




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=139844
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 12 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 16