الجاسوس

كان يتجول في شارع الرشيد ، كأنه يبحث عن شيء ، يتفحص كل شيء تقع عليه عيناه ، المحلات ، الأشخاص ، الأطفال وحتى السيارات ، في أحد المنعطفات شاهد قصاباً يمسك بتيس ، بدا كأنه يريد ذبحه على عتبة أحد البيوت ، حيث الساكن جديد ، وجرت العادات أن يذبح خروف ، لكن مالك البيت قرر أن يخالف المتعارف ويذبح تيساً ، حدّق في القصاب وهو يطرح التيس أرضاً ، وراقبه بتمعن وهو يذبحه .

مسرعا ، عاد الى مسكنه في البتاوين ، تناول ورقة وقلماً وكتب بالحبر السري وبالشفرة ، لف الورقة ووضعها داخل مظروف ، ثم أرسلها الى فرنسا .

في باريس ، تلقى أحدهم الرسالة بشغف ، فتحها ، كشف الحبر السري ، ثم فكك الشفرة ، فإذا مكتوب (( أنهم يذبحون تيساً)) ، أندهش لذلك وكتب في ورقة أخرى شيئاً ما بالشفرة والحبر السري أيضاً ، وأرسله الى الصومال .

أحدهم في مقاديشو أستلم الرسالة ، وفكك شفرتها ، أندهش من مضمونها وكأنها اللحظة التي كان ينتظرها الرئيس ، فأسرع بكتابة التقرير ووضعه على المكتب الرئاسي.  

كان الرئيس جالساً عندما وصله التقرير المنتظر ، قرأه بتمعن ، فنهض مبهوراً ، تناول ورقة وكتب فيها عدة سطور وأمر بإرسالها الى العراق .

في بغداد ، وضعت الرسالة مع مجموعة أوراق على مكتب الرئيس مرتبة حسب الأهمية والجهة المرسلة ، تناولها الرئيس جميعا ، متفحصاً جميع الأوراق واحدة تلو الأخرى ، الى أن وصل به الأمر الى الرسالة الصومالية ، قرأها بتمعن ووعي شديد ، سالت دموعها ، وأخذته العبرة والهياج العاطفي ، فقد كان مكتوب فيها (( لدينا الكثير من الأدوية ، جميعها تؤخذ بعد الطعام ، ولا طعام لدينا ، وقد بلغنا أنكم ذبحتم تيساً ، فهلا أرسلتم لنا شيئاً منه )) ، بكى الرئيس بنحيب ، وضغط زراً على يمين مكتبه ،  دخل السكرتير ، مكفكفاً دموعه كتب شيئا في ورقة ، وسلمها للسكرتير ، وابلغه بعدة أمور ، كان صوته مختنقاً بالعبرة ، لذا لم يفهم السكرتير شيئاً مما قاله الرئيس ، كما انه لا يمكن ان يطلب من الرئيس ان يعيد عليه الكلام ، أخذ الورقة وأنصرف ، جلس على مكتبه وقرأ ما مدوّن فيها (باجه 1، فاصوم 2 ، جرثوم 4 ،صومالستان) ، أيضاً لم يفهم السكرتير شيئاً ، فأستعان بالمستشار الرئاسي ، الذي لم يكن من الصعب عليه أن يفهم ما دوّن فيها ، وفكك الرموز مبلغاً السكرتير ان يرسل (( باجه (رأس ماعز) عدد 1، فاصوم (فاصولياء) 2 كيلو ، جرثوم (ثوم) 4 كيلو)) الى أبن الرئيس الذي يقيم في ألمانيا .

في المانيا ، أستلم أبن الرئيس الطرد البريدي ، فتحه ، أندهش لما أكتشف ما بداخله فقال ( ما هذا يا أبي ، أتمازحني! ، ماذا عساني أن أفعل بهذه الأشياء؟!) ، أفرغ جميع المحتويات ، أثارت أنتباهه ورقة صغيرة كتب فيها (صومالستان) ، أبتسم أبن الرئيس وقال ( لابد إن هذا الطرد أرسل إلي بالخطأ ، يفترض أن يذهب الى كردستان) .

في كردستان ، تجمهر عدد من الضباط حول الطرد البريدي ، لم يفهم أحدا محتواه ، ووقعوا في حيص بيص من امرهم ، الى ان أقترح أحدهم أن يرسلوه الى اسرائيل لفك لغزه .

هناك ، في تل ابيب ، أستلم احدهم الطرد البريدي ، وتوجه به الى رئيس قسم خاص :

أخذوا الطرد البريدي الى مختبر خاص ، فحصوا رأس الماعز لم يجدوا فيه ما يثير الاهتمام ، ثم تفحصوا حبات الثوم ، حبة حبة ، وثقبوها جميعا ، خشية ان يكون في داخل شيء مخبأ ، أيضاً لم يكن هناك شيء ، ثم انعطفوا لتفحص الفاصولياء ، فعلوا بها كما فعلوا بالثوم ، ثقبوها جميعا , فكانت النتيجة ، لا شيء ، وهكذا كتبوا تقريرهم الى الرئيس ، الذي أمر ان يرسل الطرد البريدي الى الهند.

في نيودلهي ، وقع الطرد البريدي بين يدي المهراجا خان شاروخ شنايدر ، الذي سرً كثيراً عندما فتحه ، وقال متفائلاً :

كان الأمر كما أراد ، علق رأس الماعز على سفينته "الحب في تاج محل" ، والتي كانت تجوب البحار ، لكن وعلى حين غرة ، بمجرد ان اقتربت من السواحل الصومالية ، هاجمها القراصنة ، قراصنة صوماليون ، واستولوا على كل ما فيها ، وتناول أحدهم رأس الماعز .

أما الثوم ، فحلق بعيداً على متن طائرة متوجه الى بوليفيا ، لكن خللاً فنياً اصابها ، ما أضطرها للهبوط الاضطراري في مصر ، ريثما تتم صيانة الطائرة ، طلب من المسافرين الترجل والتجول في القاهرة .

بينما كان حامل الثوم يسير في أحد الشوارع ، هاجمه صوماليان ، وسرقا منه الحقيبة ، ظناً منهما إن فيها مالاً وفيراً.

أما حبات الفاصولياء ، فأرسلت الى دبي ، لكن تبين إن رجل الاعمال راجا واري قد غادر دبي متوجهاً الى الصومال ، فأرسلت في اثره.

في مقاديشو ، كان الزعيم يجلس في قصره ، منتظراً الرد من العراق ، تأخر عليه حتى يأس من الانتظار ، يجوب فناء القصر جيئةً وذهاباً ، فجأة توقف ، وأمر الضابط المسؤول عن الشأن العراقي :

هذه المرة راقب العراق جيداً .. وأخبروني على وجه السرعة إن ذبحوا بقرة!!.