أول شهداء الفتوى صباح السبت
ما كنا نعلم إن لموت يحيط بنا إلى هذا الحد ولم ندرك إن نقطة الانطلاق قد أعلن عنها بصوت انفجار عبر سيارة مفخخة تشظت في الباب الشرقي لتقطع المتطوعين وتمزقهم حد الشهادة..
ذهب عدد من الشباب المتحمس لتلبية النداء إلى الباب الشرقي (سوق هرج) لشراء الملابس العسكرية وبعض المستلزمات التي يحتاجها المقاتل في جبهات القتال خاصة بعد إن علموا أنهم لن يحصلوا على هذه التجهيزات من إي جهة مسؤولة في الوقت الحاضر..
لم يكن في حساباتهم إن هذه البدلات ستكون هي الكفن الأخير الذي سيلفهم إلى المثوى الأبدي.. فبعد تجمعهم هناك انفجرت سيارة كان يقودها متعفن داعشي وسط السوق حولتهم إلى أشلاء متناثرة رحت مسرعا كي الملم ما تبقى لهم من أثار في مستشفيات مدينة بغداد الطبية وطوارئ الكندي.. وانأ في الطريق إلى هناك كنت أقول مع نفسي ما العمل؟؟ أيعد هذا انكسارا لبقية المتطوعين أم سيكون حافزا حقيقيا لهم..!!
كيف سيكون حال المتطوعين المنخرطين في القوات الأمنية بناء على فتوى مقدسة صدرت من رجل مقدس..!
كان من بين الراقدين المصابين هناك ابن أخي قد أصيب في شظية كسرت بعض فقرات عموده الفقري ظل يعاني منها لعدة شهور.. جاء ما يشغلني انه ابن أخي !! لكن السيستاني العظيم اكبر منه ومن أبيه..!! رجعت بعد إن اطمأنت على الجرحى لأتابع سرادق عزاء المستشهدين التي اكتظت بها مدينتي,, أقول مع نفسي أول الشهداء في فتوى الجهاد أحبتي وأول المصابين ابن أخي انه وسام شرف وفوز كبير بطعم الشهادة..
الساعة الرابعة عصرا.. تبددت كل مخاوفي فلم يحدث ما كنت أخافه من انكسار بل على العكس من ذلك فقد رأيت أهالي الشهداء كيف يهتفون وهم يودعون فلذات أكبادهم إلى مثواهم الأخير وهم يرددون تاج تاج على الرأس سيد علي السيستاني, وأخر هناك يقول بأعلى صوته المبحوح من شدة الفقد على ولده ( كلنا نروح فدوه للعراق) الجرحى يتمنون الشفاء بأسرع وقت ممكن كي ينالوا شرف المشاركة في جبهات القتال..
تجمع كبير في مدينتي ذات الأغلبية السنية.. وكأن على رؤوسهم الطير إذ كان غالبيتهم يعتقد إن هذه الفتوى جاءت استهداف للمكون السني كما روجت لها بعض القنوات الإعلامية الخليجية وبعض القنوات العراقية,, بل إن بعض القائمين عليهم صار يصدر بيانات عبر القنوات الفضائية يقول من خلالها إن هذه الفتوى ما هي إلا لمقاتلة السنة على وجه العموم,, تاركين وراءهم نصها الذي تؤكد فيه المرجعية على مقاتلة الإرهابيين الذين أعلنوا عن دولتهم دولة الخرافة..
كان اغلبهم في حالة من الخوف والقلق الشديدين قد يتصور بعضهم بأنها حرب أهلية قد بدأت كما التي كانت في سنة 2006 .. أتذكر جيدا كيف جاءني احدهم في تلك الليلة حامل بيده بطاقته التعريفية ووقف عند راسي وقال سيدنا أدرج اسمي مع المتطوعين.. حقيقة عن نفسي حملته على 140 محمل طيب إذ لم اكتفي بالسبعين منهن,, لكنني ومن خلال حديثي معه علمت إن الرجل جاء ليعرف نوايا المتطوعين حتى يطمئن أهله عنها,, ورغم إني لم أكن امتلك التفاصيل الكاملة عن تعاليم الفتوى المباركة إلا إنني تعاملت معه بكل صدق وكل إنسانية.. حيث قلت إن نص الفتوى يا أخي الكريم هي واجب على كل العراقيين بالوجوب الكفائي ولم يوجبها سماحته على الشيعة فقط..! إي إن هذا التكليف هو واجب على كل من يتمكن من حمل السلاح دون النظر إلى عقيدته أو قوميته أو دينه أو مذهبه..حمل بطاقته التعريفية وغاب عني طيب الخاطر مطمئن القلب.. ( شركائنا في الوطن!!!)
قلبي يوجعني جدا لدي مصاب ( ابن أخي) وحولي سرادق عزاء الشهداء الذين سقطوا نتيجة لانفجار تلك المفخخة التي كانت بصدق حافزا مكمل لفتوى الجهاد بل كانت وكأنها رسالة من السماء تقول لنا إن الشهادة ترككم ولو كنتم في ( سوق الهرج) المحصن بالكتل الكونكريتية..
بعد منتصف الليل اكتمل عندي عدد كبير جدا من المتطوعين وجميعهم يطالبون بالالتحاق إلى سامراء وإطراف بغداد كنت أقول لهم لننتظر التعليمات من الجهات المختصة.. مرت الساعات ارتفعت الأصوات وصارت المطالب تقال بعصبية حادة.. عقدنا اجتماع طارئ بعد منتصف الليل مع ضباط الأمن الوطني فكانت المقررات ان نجهز لهم باصات متنوعة كي تقلهم إلى منطقة الشعلة في بغداد إذ كان هناك معسكرا قد افتتح سريعا لاستقبال المتطوعين وتدريبهم بالسرعة القصوى ومن ثم توزيعهم حسب مناطق الخطورة.. من أين نأتي بتلك الباصات فأنا ومن معي لا نمتلك المال الكافي لتغطية أجور النقل والمتطوعين اغلبهم لا يمتلكون قوت يمهم.. ما الحل إذا؟؟ أجرينا عدة اتصالات بمن نرتبط بهم بعلاقات طيبة حتى تمكنا من توفير الباصات بمختلف أنواعها دون إن يطلب منها أصحابها أجور النقل,, فكانت هذه المبادرة الأولى لفعالية الدعم اللوجستي بعد فتوى الجهاد الكفائي المقدسة..!
تحركت هذه الباصات عند فجر يوم الأحد إلى مناطق التدريب فكان الوداع غريبا جدا الجميع فرحون حد البكاء حتى تخليت وكأنها ذاهبة بهم إلى رياض الجنة حيث الحسين ع هناك وأهل بيته , رأيت صورة حقيقة عن أصحابه بروحي هو وكيف كانوا يستأنسون بالمنية كأستأناس الطفل بصدر أمه,, مراكب حملتهم إلى المصير المجهول بل أنها مراكب قد ذهبت بهم إلى الموت , لكن الموت هذه المرة جاء بشكل مختلف جاء بعطر الحسين ع ورائحة المرجعية... يتبع...
|