لمّـا رأيت الـذي يـجري بموطنـنا
|
|
خلوتُ وحدي لأني أعرفُ السببا
|
الزيـفُ في وطـني يـسْودُّ متسعـا
|
|
والمـوتُ صارَ أخانا والدمـوعُ أبا
|
أذوقُ مـن حصرم الآلام ألذعهُ
|
|
وغـيرنا يـتـشهّـى الخـمرَ والعـنـبا
|
أسيرُ كالضائعِ الوسنانِ دون هدى
|
|
أجـول فـي بلـدي حـيران مكـتئـبا
|
تـمـزّق القـلبُ أشـلاءً مبـعْــثرةً
|
|
العـظمُ هيظ ولحمي قـد غـدا إرَبا
|
ماذا أحدِّث يا بغدادُ عن ولَهي
|
|
أضحى الحبيبُ رمادا والهوى خشَبا
|
أرنو على طللِ الأجدادِ منكسِرا
|
|
يحوطني الحشدُ لكنْ لاأرى العرَبا
|
وكيف أحملُ جمْراً في كفوفِ يدي
|
|
مـثل التـي وُصـِفـتْ:حمّـالةًً حـطبا
|
نحـن ابتـليـنا بإبـليسٍ وزمـرتِهِ
|
|
أشـاعَ فيـنا الأسى والفقرَ والجَـرَبا
|
ضاقَ الفضاءُ بهم من فرطِ لوثتهمْ
|
|
وأطفئوا الشـمس والأقمار والشهبا
|
ما ضرّني جمرةٌ تجثو على جسدي
|
|
بل شاقني صحبةٌٌ صاروا لها لَهَبا
|
أين النجوم التي كانت تلاحقنا
|
|
تحدو الزمان إلى الأمجاد والحقبا؟
|
أين العراق الذي ناخ الجميع له
|
|
وأنبت الطّهْرَ والأطهار والنجبا؟
|
رشَّ الحضارات عطرا وافرا ثملا
|
|
تضوّعَ المجدُ منه حيثما سكبا
|
قاد الرّيادة في الأصقاع منفردا
|
|
وأجزلَ الكرَمَ المعطاءَ ما وهبا
|
دارُ المهابةِ بغدادُ الندى أبَدا
|
|
تزيحُ أجنحةَ الظلماءِ والحجبا
|
وتفرش الأرض عشب الخير من يدها
|
|
ليستريحَ بها من كان قد تعبا
|
بغدادُ دمعة أيامي ولوعتها
|
|
وفي ثراها أرى الحلاّج قد صُلبا
|
دموعُ يعقوبَ تجري في مرابعنا
|
|
دماءُ يوسفَ ما كانت دماً كذبا
|
يا خمرة الرَّوْح والريحان تُسكرني
|
|
فأنهلُ الزِّقَّ حتى ألعقَ الحببا
|
تشدو المقاماتُ في أفيائنا نغَما
|
|
كرْداً ،بياتاً ،نهاونْدا، وثم صَبا
|
أكاد أربأُ من قولٍ حوى سفَها
|
|
يقضي بأنّ الدنى تأتي لمن غلبا
|
وفي السماواتِ أذكارٌ وأدعيةٌ
|
|
تقول لي إنما الدنيا لِمن وهَبا
|
لكنما السعْدُ لا يبقى إلى أمَدٍ
|
|
ففي الحنايا بكاءٌ لامسَ الطرَبا
|
وفي الجوانحِ قلبٌ هدّهُ ظمأٌ
|
|
لا يرتضي الماء إلاّ زمزماً عذِبا
|
وفي المنافي حبيبٌ أنَّ مبتعداً
|
|
وترقص الروحُ جذلى كلما قربا
|
كأننا في رحيل دائمٍ أبدا
|
|
يبقى فتانا يعيش العمر مغتربا
|
لا مستقر له في أرضه وطرا
|
|
يضيع كالتائهِ الولهان مضطربا
|
يا لَلأعاصير تعرونا وترعدنا
|
|
وتأخذ الصبرَ منا غيلةً نهَبا
|
تؤرجح الريحُ أحلامي وتحملني
|
|
إلى الطفولةِ أُملي سوحَها لعِبا
|
وتستبيحُ هزيعَ العمْرِ، آخرَهُ
|
|
تذيقني الشهْدَ والأطيابَ والرطَبا
|
لكنها الريحُ مهوى حبِّها قلِقٌ
|
|
ترى رضاءً وحيناً تلمحُ الغضبا
|
لا للدماء ولا للسيف يحكمنا
|
|
إنّ البطولة فيمن يُحْكمُ العصبا
|
دع العقاربَ تحبو في خرائبها
|
|
لكنْ عليكَ بأنْ تستأصلَ الذنَبا
|
ملّ الكلام وغام الحزن في كبدي
|
|
حتى يئست، مللت اللوم والعتبا
|