موضوعة القيم من الموضوعات المركزيّة التي اولتها الاديان والفلسفات عناية خاصّة . القيمة في اشتقاقها في اللغة العربية جاءت من ( قوّمَ الشيءَ ) ، اذا اظهر قيمته ، وقوّمَهُ اذا كان معوجا فاقامه . فهي تستبطن معنىً اخلاقياً . اما اشتقاقها في اللغة الانكليزية ، فهي ماخوذة من كلمة (value) المأخوذة من الجذر اللاتيني (valor) ، والتي تعني القوة والصحة والغنى والشجاعة والذكاء ، وهذه المعاني تكشف عن نزعة القوة والغنى والسيطرة المتاصلة في الحضارة الغربيّة.
والقيّم تشكّل محّددات وموجهات للسلوك ، كما انها تشكل غايات عليا للسلوك الانساني ، ومعايير على ضوئها نظبط السلوك ، ونميّز بين الخطا والصواب .
والقيّم خاصيّة انسانيّة ، ومايقوله البعض عن اخلاقيّات الحيوانات ، في التعاون فيما بينها وانقاذ بعض الحيوانات لحيوانات اخرى ، وقعت في ورطة او اسر الخصوم .
هذه الافعال لايمكننا نعتها بانها افعال اخلاقيّة ، او ممارسات قيميّة ، وانما هي افعال غرائزيّة ؛ فاغلب الحيوانات محكومة بالغريزة في افعالها . هناك تصرفات في عالم الحيوان فيها حالة اسميها (الوعي) ، والوعي ليس عقلا ؛ فالعقل خاصيّة انسانيّة ، وانما الوعي حالة تقع بين الغريزة والعقل.
القيم الاصيلة والقيم المضافة
---------------------------
اعني بالقيم الاصيلة ، القيم الذاتية التي تنطوي عليها الشخصيّة الانسانيّة ، فالعلم والتواضع والصدق ، كلها قيم اصيلة ؛ لانها تنطوي عليها الذات الانسانيّة ، اما النسب والمال ، والجاه ، والمنصب ، فهي قيم خارجية ، اي خارج الذات الانسانيّة ، ومنشؤها الاعتبار ، فهي ليست قيم حقيقيّة ، وانما الاعتبار جعلها قيم . هي قيّم مضافة الى الذات الانسانيّة . ولتوضيح الفكرة ، اضرب هذا المثال :
العملة الورقيّة المتداولة بين الدول في التعامل ، هي ورق والورق كورق لاقيمة له ، والذي جعل له القيمة هو الاعتبار ، اعتبار الدولة له ، واعتبار البنك المركزي ، ولو صدر قرار من الدولة او البنك بالغاء هذا الاعتبار فعندها تتحول هذه العملات الى ورق لاقيمة له . هذه القيمة الاعتباريّة ، هي قيمة خارجية من خارج الورق ، وليست قيمة ذاتيّة اصيلة للورق . هي قيمة مضافة للورق .اما الذهب والفضة اللّذان كانا العملة السائدة في ازمنة سابقة ؛ فينطويان على قيمة ذاتية اصيلة هي قيمتهما كذهب وفضة . والقيمّة الاعتبارية جعلتهما نقدا رائجا ، فلو اسقطتهما الدولة عن الاعتبار كنقد رائج في التعامل ، تكون قد اسقطت قيمتهما الاعتبارية الخارجيّة المضافة ، ولم تسقط ، وليس بامكانها ان تسقط قيمتهما الذاتية الاصيلة كذهب وفضة .
هناك مفاهيم اقتصادية عن القيمة المضافة ، منها : (ضريبة القيمة المضافة ) وهي : ضريبة غير مباشرة ، تفرض على جميع السلع والخدمات التي يتم شراؤها وبيعها من قبل المنشات . وتطبق هذه الضريبة في دول كثيرة في العالم . وهناك مفهوم استخدمه كارل ماركس في نقده للاقتصاد السياسي ، ويشير الى القيمة الجديدة التي تنشا بواسطة العمل ؛ لان العمل - حسب النظرية الماركسية - يخلق قيمة السلعة ، وكذلك عمل العامل يخلق قيمة لعمله ، ويجب ان يدفع له اجرا مقابلها . فلو فرضنا ان العامل اشتغل ثمان ساعات ، واعطي اجرا لست ساعات ، فالساعتان المسروقتان من جهد العامل تذهب الى جيب صاحب العمل ، القيمة المسروقة للساعتين من جهد العامل ، اطلق عليها كارل ماركس ( القيمة الفائضة ) ، وهي عندي قيمة مضافة ، الا انها لم تضف الى صاحبها ، بل اضيفت الى صاحب العمل .
وانا في هذا المقال ، لايهمني ضريبة القيمة المضافة ، ولافائض القيمة ، وانما الذي يهمني هو القيمة الاصيلة ، والتي اعني بها القيمة الذاتية ، التي تنطوي عليها الذات الانسانيّة من صفات وملكات . العلم قيمة اصيلة ، والتواضع قيمة اصيلة ، واما القيم التي يكون مصدرها ومنشؤها خارج الذات ، فهي قيم مضافة وخارجية انشاها الاعتبار .
ماهي معاييرنا تجاه القيم
-----------------------
معايير مجتمعاتنا تقوم على اساس القيم الخارجية الاعتبارية المضافة ، فهي تقيم وزنا للنسب والجاه ، والمنصب ، واصحاب الشركات والرساميل الضخمة . ولاتقيم وزنا باصحاب العلم والمعرفة ، واهل التقوى والشمائل الكريمة .وتجذّر القيم المضافة في حياتنا مؤشر على تخلف مجتمعاتنا .والدول المتقدمة اسست معاييرها على القيم الاصيلة لاالقيم المضافة .
نحن نقيم وزنا لاصحاب الانساب ، واصحاب الاموال ، والجاه والمقامات ، وهذه كلها قيّم مضافة . هناك دول قامت على اساس القيّم المضافة ، مثل دولة جنوب افريقية ابّان الحكم العنصري ، الذي قسم الناس الى بيض وملونين وسود ، وجعل السيادة للبيض . وفكرة الدولة اليهوديّة تقوم على اساس القيم المضافة ؛ فهناك تمييز حتى بين اليهود انفسهم ، فهناك يهود من اصل شرقي (سفارديم ) ، وهناك يهود من اصل غربي (اشكيناز) .
كانت القيم المضافة سائدة في اوربا ، وكانت سببا في اشعال الحروب ، وجرت بسببها انهارا من الدماء ، وحينما تخلت اوربا عن القيم المضافة ، وطرحت فكرة مدنيّة الدولة ، الدولة التي تقوم على اساس المواطنّة ، والمواطن هو الانسان بلا اضافات ، اي بلا شرط حسب تعبير الفلاسفة . اي الانسان كانسان غير ماخوذ فيه السواد والبياض ، ولاالمال ولاالجاه ولا الموقع. فكرة المواطنة قائمة على اساس القيم الاصيلة ، انسان بلا اضافات ، اي : بلا قيم مضافة .
والانسان ياتي ربه يوم القيامة مجردا عن الاضافات ، يقول الله تعالى :
(وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) مريم : الاية : 95 ، والقران لايعتبر القيمة المضافة للمال سبب خلود صاحبها ، فينعى على تفكير اصحابها البائس ، يقول الله تعالى :
( يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ) الهمزة : الاية : 3 .
وفي الختام اقول : ان القيم الاصيلة هي التي يجب ان تكون معايير في ضبط سلوكنا ، كما ينبغي التخلي عن القيم المضافة ؛ لانها تكرّس تخلف مجتمعاتنا .
|