في موقف لن انساه ولن ينساه الكثيرون ممن حضروا مجلس العزاء الذي اقيم قبل يومين على ارواح الشهداء من موظفي هيئة النزاهة في حسينية الزوية في الكرادة.
فقد تقدمت امراة تبلغ من العمر ما يقارب 50 سنه لتُخرج من تحت عباءتها مبلغاً من المال وتضعه على الطاولة القريبة من رئيس هيئة النزاهة وبعض كبار الشخصيات ممن حضروا مجلس العزاء، لتقول وبصوت ملؤه الحزن والحرقة على فراق زوجها " ان زوجي كان قد اشترك بسلفة مع بعض الموظفين وقد استلم مبلغ مليون ونصف المليون كونه اول من استلم هذه السلفة والان اعيدها اليكم ليرجع هذا المال الى المشتركين لاني اريد لزوجي ان ينام بهدوء في قبره"..
وما ان نطقت هذه السيدة العظيمة بهذه الكلمات حتى ابكت جميع من حضر الى العزاء في موقف كان يتوقع الكثير من الحاضرين ان تقدمها باتجاه طاولة رئيس هيئة النزاهة والسادة المسؤولين كان من اجل ان تطلب مساعدة مالية منه، لكونها اُم لخمسة اطفال وكان زوجها يعمل موظف باجور يومية في الهيئة.
لم يستطع احد ان يحبس دموعه امام هذه السيدة التي شاء القدر والارهاب الاعمى ان يفرقها عن زوجها لتواجه قساوة الحياة بمفردها وصعوبة توفير لقمة العيش التي لا يقوى على تحملها احياناُ حتى الرجال.
كبيرا كان موقفها ،فحتى الفقراء والمساكين في بلدي لا يرتضون الذل ويبحثون عن كرامة العيش.
فلينظر القتلة والارهابيون ماذا فعلوا بهذه المراة وهي واحدة من مئات الالاف من النساء التي رُملت بسبب حقدهم الاعمى وعقولهم المتجمدة التي تصدر الفتاوى التكفيرية بحق الابرياء والمساكين وهم لا يفقهون شيئا في السياسة او الدين ولا يعرفون سوى اراقة الدماء.
حقاُ ان الالم لا يجد للنفس مدخلاً، فقد اثبتت الايام خسة مخططاتهم ونذالة مواقفهم التي خرجت عن كل الشرائع السماوية والقوانين والأعراف.
فما ذنب هذا الموظف البسيط وبقية شهداء الخميس الدامي كي يستهدفوا بهذه البشاعة، ولماذا لا يفرق حقدهم وافعالهم الجبانة بين شيخ كبير او طفل صغير؟؟ ليفعلوا ما يشاؤون فسيبقى هولاء الشهداء الأبرار عنوانا كبيرا لمرحلة تاريخية دقيقة عاشها العراق، ويبقى هذا المشهد للسيدة العظيمة يبعث على الفخر حاضراً في ذاكرة من حضر هذا العزاء..
alikhassaf_2006@yahoo.com |