• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : قصة : وليالٍ عشرٍ ٢ .
                          • الكاتب : ابن الحسين .

قصة : وليالٍ عشرٍ ٢

 لازال مهدي يحدث نفسه ، فخطر بباله شيء كأنه إلهام ، بأن يسلم أمره إلى الله تعالى ويببن عجزه التام عن كيفية إرشاد محمد إلى العقائد الصحيحة ، ويوكل أمره إلى الله تعالى. إبليس انزعج من هذا القرار ، لأن مهدي أعتمد على رب العالمين ، وابليس يريد أن يتكل الناس على أنفسهم ليغفلوا عن الله تعالى .

فصار يوسوس له ويسخر منه بأنك يامهدي انهزامي وغير قادر على حل المشاكل بيدك ، وتوكل أمرك إلى العدم ، الله جعل لكل شيء سببا ولابد أن تأتي للأمور من أسبابها لأجل قضائها ، أما أن تهرب من واقعك بحجة الدعاء فهذا هراء ، هذا ما حدّثه به إبليس اللعين . أصبح الصراع داخل مهدي ، بين جنود الرحمن وجنود الشيطان ، إبليس يسخر منه ويضع له العقبات ، وعقله وتعاليمه الدينية الثابتة من جهة أخرى . فكر مهدي في حل لأجل أن يطرد هذه الأفكار الشيطانية ، نعم وجد الحل وهو أن يقوم بمحاسبة نفسه . فصار يحاسبها إلى أن توصل إلى الحل بأن هذه الأفكار غير صحيحة فأنا توكلت على الله [عز وجل] من أول أمري واتبعت الأسباب الطبيعية ولكن كل الطرق التي جربتها قد فشلت ، ربما بسببي او ربما بسبب محمد ، والآن أنا اتكل على ربي فهل في هذا يعد هروبا من الواقع ؟! ثم تذكر حديثا عن أهل البيت [عليهم السلام] وصار يحدّث به نفسه لأجل أن تطمئن : روى الصحابي الجليل معاوية بن وهب عن الإمام الصادق [عليه السلام] أنه قال : « من أُعطِي ثَلاثاً لم یُمنع ثَلاثاً : من أُعطِي الدُّعاءَ أُعطِي الإجابةَ ، وَمن أُعطِي الشُّکرَ أُعطِي الزِّیَادَةَ ، وَمن أُعطِي التَّوَکُّلَ أُعطِي الکِفایةَ ،ثُمَّ قَالَ: أَتَلوتَ کتابَ اللهِ عَزَّ وَجَل : ( وَ مَنْ یَتَوَکَّلْ عَلَی اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) وَقَالَ: ( لَئِنْ شَکَرْتُمْ لأزِیدَنَّکُمْ ) وَقَالَ: ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَکُمْ ) »[١]. ، فتوسل بأهل البيت عليهم السلام أن يسهّلوا له الطريق ، هنا تذكر التوسل بسيد الشهداء عليه السلام خصوصا وهو في شهر الحزن والعزاء ، فتمتم بإحدى فقرات دعاء التوسل وراح يرتلها بصوت منخفض بينه وبين نفسه : « يا أَبا عَبدِاللهِ يا حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَيُّها الشَّهِيدُ يا بْنَ رَسُولِ اللهِ يا حُجَّةَ اللهِ عَلى خَلْقِهِ يا سَيِّدَنا وَمَوْلاَنا، إنَّا تَوَجَّهْنا وَاسْتَشْفَعْنا وَتَوَسَّلْنا بِكَ إِلى اللهِ، وَقَدَّمْناكَ بَيْنَ يَدَيْ حاجاتِنا، يا وَجِيهاً عِنْدَ اللهِ اِشْفَعْ لَنا عِنْدَ اللهِ » اغرورقت عيناه بالدموع فتغير التوسل إلى مجلس عزاء ، فتذكر شباب كربلاء فقال مخاطبا سيد الشهداء [عليه السلام] : « سيدي يا أبا عبد الله ارحم بحالي ، أنا اتوسل إليك أن تقوّم عقائد وفكر ابن اخي ، بحق ابن أخيك القاسم الشهيد ، سيدي أنت قدمت خيرة شباب بني هاشم قرابينَ أمام عينيك ، فارجوك واتوسل إليك أن يكون محمد مع ركبك ورحالك ، سيدي محمد أنت تعرفه جيدا ، مؤمن ، حسيني ، غيور على دينه ، ولكن أنا خائف عليه من فتن هذه الزمان الخؤون ، خصوصا وهو يدرس في الجامعة وسط الكثير من المغريات والفتن ، وأصعب شيء على فكر الشاب هي هذه المرحلة ، سيدي أنت تعرف كيف انزلق في هذا الزمان الكثير الكثير ، فلا أريده أن يكون منهم ، بحق القاسم وعلي الأكبر » كفكف دموعه والحرقة في قلبه لا زالت موجودة ، سمع صوت أذان العشائين فصلى وبعدها تناول العشاء مع العائلة وخرج للمشاركة في مواكب الحزن على مصيبة سيد الشهداء [عليه السلام] . أتم المجلس وجميع المراسيم العاشورائية ورجع للبيت ، دخل إلى غرفة المكتبة الكبيرة التي خصصت لمكتبة العائلة ففيها كتب والده وأخوته ، والمكتبة تحتوي على الدرر من الكتب الحديثية والتفسيرية والأدبية وباقي العلوم . جلس وسحب كتاب «كامل الزيارات» تأليف العلم الثقة ابن قولويه القمي . عادة مهدي في أيام محرم الحرام من كل سنة أن يطالع كتاب كامل الزيارات بتمعن وتدبر مع كتب حسينية أخرى سواء تاريخية أو تحليلية ولكن العمدة عنده كتاب كامل الزيارات ، لما يحتويه لطائفَ ودقائقَ لا تظهر إلا بالتمعن والتفكر ، يطالع الكتب لأجل أن يزداد معرفة ولأجل أن يُعلم الآخرين مما يتعلم من معارف دينية . بينما هو جالس وبيده الكتاب ، وإذا بمحمد يفتح باب المكتبة بحركة غير معهودة منه - لأن محمد عادة لا يدخل المكتبة - ، تعجب عمه من هذا الفعل غير المعهود منه ، فصار يترقبه بتعجب ، محمد ظاهر عليه حال التعب لأنه كان في المجالس الحسينية ويشارك بمواكب اللطم والزنجيل ، الاضطراب والحيرة واضحة من تصرفاته وحركاته السريعة ، سلم على عمه وأصبح ينقّل عينيه بين عناوين الكتب وكأنه يبحث عن شيئ مهم بينها ! [ #برأيك ماهو سبب اضطراب محمد وعن أي شيء يبحث؟! ]

ـــــــــــــــــ 

[١] الكافي ج٣ ص١٦٩ ، طبعة دار الحديث . 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=125977
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 10 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 04 / 30