ايران وتركيا قوتين اقتصاديتين كبيرتين في الشرق الأوسط , وكلاهما يحدان العراق , حيث ايران من الشرق و تركيا من الشمال. العلاقات الاقتصادية بين العراق وكلا البلدين قوية منذ تأسيس الدولة العراقية , مع بعض التراجعات في بعض الأعوام مرة مع ايران ومرة أخرى مع تركيا. ولى عهد التقاطعات , وبدء عهد التعاون الاقتصادي وخاصة في هذا الوقت , حيث ان العراق يواجه تحدي الإرهاب , وايران تواجه تحدي العقوبات الاقتصادية التي تريد فرضها عليها الولايات المتحدة الامريكية , وتركيا التي تواجه تحدي تراجع تجارتها مع الصين وألمانيا .
ان تجاور العراق مع هاتين الدولتين له فائدة كبيرة للعراق وهي رخص تكاليف نقل البضائع , حيث ان كلفة نقل حاوية من ايران الى العراق اقل بكثير من نقل نفس الحاوية من الصين او كوريا الجنوبية , وهذا المثال ينطبق أيضا على تركيا , حيث ان المسافة التي تقطعها الحاوية من الحدود التركية الى بغداد لا يتجاوز 600 كيلو متر .
هذا التقارب في المسافات هو احد اهم الأسباب في توسيع التجارة بين بغداد وطهران , و بغداد وإسطنبول . فبعد التغيير بدء حجم التجارة مع الدولتين يتعاظم حتى بلغ ما يقارب 13 مليار دولار مع تركيا وحوالي 10 مليارات دولار مع ايران عام 2018 . فقد جاء في تصريح امين عام غرفة التجارة الإيرانية العراقية المشتركة حميد حسيني ان مجموع صادرات ايران الى العراق هو اكثر من 10 مليارات دولار " وهو يعادل اجمالي صادراتنا الى قارت افريقيا و أوربا وأميركا والمحيط الهادئ". السيد حسيني توقع ان يزداد الحجم التجاري مع " العراق الى 15 مليار دولار مع بدء عملية إعادة اعمار العراق في غضون العامين المقبلين".
بكل تأكيد ان تركيا هي الاخرى تتحضر لزيادة صادراتها الى العراق , خاصة وان أسعار النفط في الأسواق العالمية بدأت تنتعش والتي ستضيف دخل إضافي الى العراق و تزيد من قوته الشرائية , إضافة الى برنامج إعادة اعمار العراق والذي سيبدئ في مطلع العام القادم .
العراق يجب عليه تقوية علاقاته التجارية والاقتصادية بين البلدين لأسباب متعددة , منها :
1. العلاقات التاريخية والدينية التي تربط العراق بهاتين الدولتين.
2. طول حدود كلا الدولتين مع العراق وتأثيرهما على امن العراق من الهجمات الإرهابية.
3. تشارك العراق وايران مع حقول نفطية متعددة و المياه , وتشارك العراق وتركيا في موضوع المياه .
4. كلا البلدين يوفران بضائع صناعية توافق المعيار العالمي وبأسعار تنافسية.
5. كلا البلدين مهمان للأمن القومي العراقي.
6. جارك , ثم جارك, ثم جارك , كما جاء في توصية الرسول الأعظم .
وطالما ونحن نتحدث عن الجار , فلابد ان نتحدث عن أهمية مساعدة الجار لجيرانه , وفي هذه الحالة مساعدة كلا البلدين العراق على القضاء على البطالة المزمنة من خلال تأسيس مشاريع اقتصادية في العراق تقلص اعتماده على الاستيرادات . بكلام اخر بدلا من استيراد العراق السيارات الإيرانية , على شركة صناعة السيارات في ايران تأسيس مصنع لها في العراق على شرط تشغيل الشباب العراقي فيه . وبدلا من استيراد ملابس مصنعة من تركيا , على الشركات التركية المصنعة لهذه الملابس هو تأسيس مصانع لها في العراق يعمل بها العراقيون . و يا حبذا لو قامت كلا من ايران وتركيا والدول المجاورة مثل السعودية والكويت بالاستثمار في المناطق الزراعية وبذلك تكون المنفعة مضاعفة , الاستفادة من الإنتاج الزراعي للدول المستثمرة , تشغيل الايدي العاملة العراقية , وتامين الامن الغذائي للمنطقة .
ان التشابك الاقتصادي بين البلدان , وخاصة بين الدول المتجاورة يزيد من التعاون بينهما ويبعد شبح التقاطعات السياسية والأمنية والحروب , واضافة المنافع الاقتصادية الى الدول المستثمرة والدول المستلمة للاستثمار . ان توسع تركيا في استثماراتها في العراق وخاصة في الصناعة سيعوض خسارتها بعض المشترين الالمان والصينيين , و توسع ايران في استثماراتها في العراق سيسهل علاقاتها الاقتصادية مع العراق بعيدا عن الازعاجات الامريكية . لان الكثير من الدول المصدرة للسلع الى الولايات المتحدة الامريكية تجنبت الازعاجات الامريكية ( فرض الضرائب, تحديد حجم الاستيراد بعدد معين من البضاعة , وحتى العقوبات) عن طريق تأسيس مشاريع صناعية لها داخل الولايات المتحدة الامريكية . على سبيل المثال ما يقارب 35% من السيارات في أمريكا هي يابانية والمانية وكورية الصنع , ولكن جميع هذه السيارات تنتج داخل الولايات المتحدة الامريكية . الولايات المتحدة الامريكية هددت دول أوربا بفرض ضرائب على صادراتها اليها , ولكن الولايات المتحدة لم تتحدث عن فرض ضرائب على استيرادات سيارات فوكس واكن او اودي او مرسيدس او فولفو او بي ام دبليو لأنها تصنع داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
|