• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مشكلة الصين التجارية  .
                          • الكاتب : محمد رضا عباس .

مشكلة الصين التجارية 

هذا المقال ليس له علاقة بأجراء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض ضرائب إضافية على صادرات الصين الى الولايات المتحدة الامريكية , حيث اعتقد ان اجراء الرئيس الأمريكي يعد بمثابة اعلان حرب كونية على التجارة الخارجية واقلق حلفاءه الأوربيين من تصرفاته الغير مسؤولة قبل غيرهم.
الصين انطلقت في نموذجها التنموي منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي , والذي أساسه هو التنمية الاقتصادية من خلال تصدير المنتوجات الصناعية , مستفيدة من وفرة الايدي العاملة و بالتالي قلة كلف انتاج سلعها مقارنة مع سلع عالمية أخرى . وهكذا ربحت الصين الأسواق العالمية , حيث عندما يدخل المتبضع الى احد مولات الامريكية سوف يندهش من قلة السلع المصنوعة محليا وكثرة البضائع المصنوعة في الصين . 90% من البضائع المعروضة في محلات ول مارت الامريكية الشهيرة هي صينية الصنع . بالحقيقة الصناعات الصينية قتلت الكثير من الصناعات الامريكية مثل انتاج الأحذية , المنسوجات والملابس, الأثاث , الأجهزة الكهربائية , الحاسوب , الألعاب الأطفال , حتى وصل الحال الى الأسماك البحرية . لقد وصل حجم الصادرات الصينية الى الولايات المتحدة الامريكية مبلغ 506 بليون دولار عام 2017.  
الصين أصبحت قوة تجارية عظيمة واذا بقية على سياستها الحالية فان هذه السياسة قد تعرض النظام التجاري العالمي والذي أسس بعد الحرب العالمية الثانية على يد الولايات المتحدة الامريكية الى الخطر . النظام التجاري العالمي أسس على قاعدة المنفعة المقارنة والتي أساسها انعاش التجارة العالمية من خلال قدرة الدول التنافسية . أي ان البلد الزراعي يجب ان يركز على تصدير المنتجات الزراعية , والبلد الغني بالمعادن يجب ان يركز على انتاج وتصدير المعادن , والبلد الصناعي يجب ان يركز على انتاج السلع وتصديرها , وبذلك فان جميع دول العالم تنتفع من التجارة العالمية . ولكن الصين والتي اتخذت من التصدير طريقا للتنمية الاقتصادية أصبحت غنية ( غنية جدا) على حساب اقتصاد الدول الأخرى ( تشجيع الصادرات وعدم تشجيع الاستيرادات).
وبذلك فان فلسفة تجارة الصين أصبحت على الضد من فلسفة التجارة التي تبنتها الولايات المتحدة واروبا . الصين اتخذت وسيلة تخفيض عملتها المحلية ( اقل من قيمتها الحقيقية بدرجة 40% ) , وكانت نتيجة هذه السياسة هو زيادة صادرات البلد , زيادة الإنتاج , وزيادة الطلب على الايدي العاملة . الفائض التجاري للصين ازداد من 17 مليار عام 2001 الى 569 بليون عام 2017. واصبح الفائض التجاري مع الولايات المتحدة الامريكية بمبلغ 375 بليون دولار  عام 2017 , وهو مبلغ كبير وقد يعرض الاقتصاد الصيني الى خطر الركود الاقتصادي في حالة تراجع الاقتصاد الأمريكي . 
الصين تحتاج الى تشجيع الاستهلاك الداخلي حتى لا تقع ضحية تراجع اقتصاديات دول أخرى . لان عندما يتراجع الاقتصاد الأمريكي سوف يقل الطلب على السلع الصينية في الولايات المتحدة , وعندما يتراجع الاقتصاد الأوروبي سوف يتراجع الطلب الأوربي للبضائع الصينية , وبالتالي ستضطر الكثير من الشركات الصناعية في الصين الى غلق أبوابها وتسريح عمالها . الا ان المشكلة في الصين ان المواطن الصيني لا يرغب بالاستهلاك ويفضل الادخار , حيث يبلغ حصة الاستهلاك في حسابات الإنتاج المحلي 59% فقط , مقارنة مع 70% في الولايات المتحدة الامريكية  عام 2017 . سبب عدم رغبة المواطن الصيني من صرف دخله على بيته هو خوفه من المستقبل او المجهول . برامج الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي وحماية العمال من البطالة مازالت فقيرة جدا قياسا الى الدول الصناعية الأخرى , وعليه فان المواطن الصيني يفضل الادخار على الاستهلاك حتى يستفاد من ادخاراته في كبره او في وقت حاجته ( القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود) .
هذا الحجم الهائل من الادخارات الاهلية ( يا ليت العراقيين يتبعون المثل الصيني) , يضاف له ادخار الشركات الإنتاجية , وتدفق رأسمال الأجنبي هو الذي وسع قاعدة الصين الصناعية . وان بقاء العملة الصينية اقل من قيمتها الحقيقية هو الذي أدى الى تصاعد نسبة الصادرات الصينية الى العالم . الصين حققت أرباح هائلة من هذا البرنامج وتقدم اقتصادي قل مثيله في العالم , ولكن هذا التقدم والازدهار الصيني جاء على حساب دول صناعية أخرى , في هذه الدول اضطر أصحاب الاعمال الى غلق مصانعهم  وتسريح عمالهم وأصبحت مدن كانت زاخرة بسكانها شبه مهجورة لعدم وجود فرص عمل أخرى فيها , واصبح العمال المسرحين من أعمالهم يشكلون عبا ماليا على الدولة وعلى السلم الأهلي. الصين تحتاج الى برنامج اقتصادي جديد يراعي التوازن بين المصلحة الصينية والمصلحة العالمية. 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=121130
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 06 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15