* النصائح والتوجيهات / الفقرة الثالثة.
تحدثنا في الحلقة السابقة عما يتعلق بهذه المنظومة للأديب الأستاذ محمد سعيد الكاظمي وتوجيهات المرجعية الدينية للمقاتلين، فبعد نظمه الفقرة الثاني المتعلقة بأداب الجهاد بصورة عامة، ننتقل إلى الفقرة الثالثة التي وردت التوصيات فيها بالقول: ((كما أنَّ للقتالِ مع البغاةِ والمحاربينَ من المسلمينَ وأضرابِهم أخلاقًا وآدابًا أُثرتْ عَنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام) في مثلِ هذهِ المواقفِ، مما جَرَتْ عليهِ سـيرتُهُ، وأوصى به أصحابَهُ في خطـبهِ وأقوالهِ، وقد أجمعتِ الأمةُ على الأخذِ بها، وجعلتْهَا حجَّةً فيما بينَها وبينَ ربِّها، فعليكُمْ بالتأسِّي به، والأخذِ بمنهجهِ، وقد قال (عليه السلام) في بعضِ كلامهِ مؤكِّدًا لما وردَ عَنِ النبيِّ (صلى الله عليه وآله) -في حديثِ الثقـلينِ والغديرِ وغيرهِما-: "ﭐنْظُرُوْا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فَالْزَمُوْا سَمْتَهُمْ، وَﭐتَّبِعُوْا أَثَرَهُمْ، فَلَنْ يُخْرِجُوْكُمْ مِنْ هُدًى، وَلَنْ يُعِيْدُوْكُمْ فِيْ رَدًى، فَإِنْ لَبَدُوْا فَالْبِدُوُا، وَإِنْ نَهَضُوْا فَانْهَضُوْا، وَلا تَسْبَقُوْهُمْ فَتَضِلُّوْا، وَلا تَتَأَخَّرُوْا عَنْهُمْ فَتَهْلَكُوْا")).
وقد نظم الأستاذ الأديب الكاظمي هذه الفقرة بقوله:
- أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ أَنَّ لِلْوَغَى
جُمْلَةَ آدَابٍ تَخُصُّ مَنْ بَغَى
- إِنَّ الْبُغَاةَ وَالْمُحَارِبِيْنَا
لا تَحْسَبُوْهُمْ غَيْرَ مُسْلِمِيْنَا
- كَانَ عَلِيٌّ وَهُوَ قُطْبُ الْأُمَّهْ
وَهُوَ أَبُوْ الْكَوَاكِبِ الْأَئِمَّهْ
- يُلْقِيْ عَلَى أَصْحَابِهِ بِالْحُجَجِ
كَيْ لا يَحِيْدُوْا عَنْ سَوَاءِ الْمَنْهَجِ
- فَفِيْ حَدْيْثِ الثَّقَلَيْنِ أَكَّدَا
وَفِيْ الْغَدِيْرِ قَافِيًا مُحَمَّدَا
- إِنَّ عَلَى شِيْعَتِهِ التَّأَسِّيْ
بِهِ وَبِالرَّسُوْلِ حِيْنَ الْبَأْسِ
- قَالَ ٱنْظُرُوْا آلَ النَّبِيِّ فَالْزَمُوْا
سَمْتَهُمُ وَيَمِّمُوْا مَا يَمَّمُوْا
- فَإِنَّهُمْ لَنْ يُخْرِجُوْكُمْ عَنْ هُدَى
وَلا يُعِيْدُوْكُمْ إِلَى دَرْكِ رَدَى
- إِنْ لَبَدُوْا عَلَيْكُمُ أَنْ تَلْبَدُوْا
أَوْ نَهَضُوْا فَالْحَقُّ أَنْ لا تَقْعُدُوْا
- لا تَسْبَقُوْهُمْ فَتُضِلُّوْا ثُمَّ لا
تَأَخَّرُوْا فَتَهْلَكُوْا دُوْنَ الْمَلَا
تحدث الأستاذ الناظم في منظومته عند تضمين الفقرة الثالثة التي هي في أبيات عشرة، يما يتعلق بآداب الحرب بصورة خاصة مع المسلمين البغاة الخارجين عن الطاعة، المقاتلين لهم، وما يجب أنْ يكون عليها المقاتلون، وهؤلاء الدواعش هم بغاة هذا العصر، في تجاوزهم على حدود الله تعالى كما أثبت الواقع ذلك، بما قاموا من الجرائم التي لا تقرُّها الشرائع السماوية، فضلاً عن الإسلامية، ويمكن بيان بعض الموضوعات المتعلقة بهذه الفقرة من خلال ما يأتي:
- أولاً: المراد من البُغاة: إنَّ هذا اللفظ له علاقة بجماعة من المسلمين خاصة، ويجب معرفته قبل بيان بعض الأحكام المتعلقة به، فالبغي (لغة): هو الاعتداء والظلم والتجاوز على الحد، طلبًا للفساد ( )، و(ﭐصطلاحًا) هو: الخروج عن طاعة الامام العادل "عليه السلام" ( )، فالمعنى يبيِّن أنَّ أصل اللفظ دال على التجاوز والاعتداء على الحرمات من أجل تحقيق مصلحة معينة يريدونها، وإنْ كان فيها فساد وﭐنحراف.
- ثانيًا: البُغاة في الشريعة الإسلامية: لقد ورد ما يتعلق بالبُغاة في القرآن والسنة الشريفة، وكيفية التعامل مع هذه الفئة على وفق تعاليم الشريعة المقدسة، فذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم وما يجب أنْ يكون موقف الأمة تجاههم من قتال بعد إقامة الحجة عليهم، فقال تعالى: ﴿وَإِنْ طائفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِيْنَ ﭐقْتَتَلُوا فَأَصلِحُوْا بَيْنهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتى تَبْغِي حَتى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصلِحُوْا بَيْنهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطوا إِنَّ اللهَ يحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ ( )، فذكر الأعلام ما يتعلق بالآية الشريفة من أحكام ( )، وحذَّر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم، ففي الحديث مخاطبًا الإمام علي (عليه السلام): ((يا عليُّ إنَّ اللهَ تعالى قَدْ كتبَ على المؤمنينَ الجهادَ في الفتنةِ من بعدي، كما كُتِبَ عليهِمْ جهادٌ مع المشركينَ معي، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ وما الفتنةُ التي كتبَ علينا فيها الجهادَ؟ قال: فتنةُ قومٍ يشهدونَ أنْ لا إلهَ إِلا اللهُ، وأنِّي رسولُ اللهِ، وهم مخالفونَ لسُنَّتي وطاعنونَ في ديني، فقلتُ: فعلامَ نقاتِلُهُمْ يا رسولَ اللهِ وهم يشهدونَ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّكَ رسولُ اللهِ؟ فقال: على إحداثِهِمْ في دينِهِمْ، وفراقِهِمْ لأمري، وﭐستحلالِهِمْ دماءَ عترتي)). ( )
فالبغاة هم مسلمون كما ورد في قول الناظم: (لا تَحْسَبُوْهُمْ غَيْرَ مُسْلِمِيْنَا)، ولهم أحكام خاصة قد ذكرها الفقهاء في أحكام الجهاد، فتجتمع مع غيرهم في جهة، وتختلف في جهة أخرى، وفي هذه الفقرة من التوجيهات بيان وتذكير بأنَّ على المقاتلين مراعاة ذلك في قتالهم، وهذا يدل على أنَّ المعركة التي يخوضها المجاهدون مع أولئك البغاة هي على وفق تعاليم الشريعة المقدسة وحدودها، والحفاظ عليهم من تجاوز حدود الله تعالى.
- ثالثًا: قتال الإمام علي (عليه السلام) للبُغاة: لقد قاتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) الخوارج البغاة عندما أرادوا إظهار الفساد في الأرض، والخروج ضد إمام زمانهم خليفة الله في الأرض، وكان قتالهم أشد على الأمة الإسلامية من قتال المشركين المعلنين للكفر والشرك من هؤلاء الذين يتشهدون الشهادتين زورًا وبهتانًا، ففي الحديث عن الإمام الباقر (عليه السلام): ((أَما إنَّهم أعظمُ جُرْمًا مِمَّنْ حاربَ رسولَ اللهِ "صلى الله عليه وآله وسلم". قيل له: وكيفَ ذلكَ يا ﭐبنَ رسولِ اللهِ؟ قالَ: أولئكَ كانوا أهلَ جاهليةٍ، وهؤلاءِ قَرؤوا القرآنَ وعَرفوا أهلَ الفضلِ، فأتوا ما أتوا بعدَ البصيرةِ)) ( )، فكان هذا من أشد الابتلاءات التي ﭐبْتُلي المسلمون بها آنذاك، من قتال الناكثين والقاسطين والمارقين، ولكن على رغم كُلِّ ما قاموا به من ﭐعتداءات على الحرمات لم يتعامل معهم الإمام علي (عليه السلام) إلا على وفق تعاليم وآداب الحرب، وقد تحدثنا عن تعاليمه مع جيشه في الحرب في الحلقة السابقة من عدم الابتداء بالقتال، وترويع الشيوخ والأطفال والنساء، وترك الجريح وغيرها من تعاليم.
وقد أشارت هذه الفقرة الثالثة إلى ذلك إجمالاً، وما نظمه الأستاذ الكاظمي بقوله: (يُلْقِيْ عَلَى أَصْحَابِهِ بِالْحُجَجِ - كَيْ لا يَحِيْدُوْا عَنْ سَوَاءِ الْمَنْهَجِ)، لأنَّ الحرب –كما بيَّنا سابقًا- في النظام الإسلامي هي تخليص الأمة من فساد وظلم يصيبها، وليس هي ﭐنتقام وﭐستيلاء على الآخرين.
- رابعًا: أشارت التوجيهات إلى حديثين من الأحاديث الشريفة المتواترة الواردة عن النبي في بيان مقام الأئمة (عليهم السلام)، وخصوص ﭐنطباقها على الإمام علي (عليه السلام) وما فيها من تأكيد على وجوب التمسك بهم، من خلال معرفة تعاليمهم والعمل بها، والمقاتلون المجاهدون الذين لَبَّوا نداء المرجعية الدينية في فتوى الجهاد الكفائي لقتال هؤلا الخوارج البغاة هم أولى بالتمسك بتعاليم الشريعة المقدسة، وهذا الحديثنا الأول: حديث الثقلين الذي أشار فيه النبي إلى أنَّ التمسك بالقرآن والعترة يعصم من الضلالة، وحديث الغدير الذي يدعو النبي الأمة إلى موالاة الإمام علي (عليه السلام) الذي هو ولي كل مؤمن ومؤمنة بعد النبي، فقول الناظم (إِنَّ عَلَى شِيْعَتِهِ التَّأَسِّيْ - بِهِ وَبِالرَّسُوْلِ حِيْنَ الْبَأْسِ) إشارة إلى مسائل: 1- وجوب معرفة تلك الأحكام والوصايا الواردة عن النبي والوصي والأئمة (عليهم السلام) في مجالات الحياة العامة. 2- ضرورة التأسي بهم في القول والعمل، وأنْ تكون أعمالنا مطابقة لمنهجهم (عليهم السلام)، فنجعل تلك التعليمات الواردة عنهم منهجًا لنا في الحياة. 3- التسليم لولائهم (عليهم السلام) ووصاياهم في حالات الشدة والرخاء، وفي السلم والحرب؛ لأنَّهم رحمة للعالمين، ويجب أنْ يكون أتباعهم كذلك.
ونظم بعد ذلك الأستاذ الكاظمي حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) في وجوب التمسك بأهل البيت (عليهم السلام) بأبيات أربعة واضحة البيان، تؤكد مقامهم ووجوب التمسك بتعاليمهم، من حيث قيامهم وعدمه، وتقدمهم أو التأخر عنهم.
إنَّ هذه التوجيهات تؤكد وجوب التمسك بتعاليم الأئمة (عليهم السلام) بصورة عامة؛ لما في ذلك من النجاة في الدنيا والآخرة، فهذه بعض آداب الحرب الواردة في توجيهات المرجعية الدينية، وقد أبدع الناظم (رحمه الله) في أرجوزته لهذه الفقرة، وما تضمنته هذه الأبيات لألفاظ هذه النصيحة للمجاهدين من إيجاز وبيان .. وإلى لقاء قادم إنْ شاء الله تعالى
|