لغة الطاقة .. اللغة الكونية ح1

كعادته الانسان كثير التساؤل , لا تتوقف الأسئلة عن غزو مخيلته ومداعبة ذهنه , اسئلته لا يوقفها حد , منذ نعومة اظفاره , حتى شيخوخته , بل لا يتوقف عن السؤال حتى يمكث  في مثواه الاخير.

 يسأل عن كل شيء مهما كان صغيرا وتافها , لا يفوته شيء , وان فاته شيء هبّ أخرون للسؤال عنه ان لم يكن في عصره ففي العصور التي تليه , وان لم يكن عقله ناضجا للسؤال عن المسائل خاصة , فسوف ينبري غيره ممن نضجت عقولهم وتنامت مداركهم وأشرق وعيهم.

تعاظمت أهمية السؤال بشكل جدي , حتى قيل "السؤال مفتاح العلم" , وقيل ايضا "حسن السؤال نصف العلم" , فبالسؤال ازدانت المعارف وتوسعت العلوم .. وتشعبت .    

اللغة الموحدة لكل العالم , كان لها حظا وافراً من تلك الاسئلة , نظرا لكثرة اللغات واللهجات واختلافها من قوم الى قوم ومن شعب الى اخر شرع بالبحث عن امكانية وجود لغة اتصال فكري موحدة تجمع كل الشعوب والاقوام , يتكلم بها الجميع ويفهمها , لغة لا تقتصر على البشر دون سواهم , بل تشمل باقي المخلوقات الاخرى , كأن تلك اللغة أريد منها ان تكون وسيلة فكرية واتصال بين الانسان وكافة المخلوقات الاخرى من حيوان وطيور وحشرات ونبات , بل وجمادات ايضا .. هل هذا ممكن ؟!.

لغة كهذه قد تكون غير موجودة , او مستحيلة , لأسباب كثيرة منها النطق , فإمكانية الانسان على النطق تشكل عائقا بينه وبين عدم امكانية الحيوان والنبات وغيرها على ذلك , استنطاقها قد يحتاج الى معجزة , وهذا غير وارد الا في الروايات الدينية التي تتحدث عن يوم المحشر , يوم القيامة , حيث ستكون هناك لغة واحدة يفهمها الجميع , من انسان وحيوان ونبات وجماد , ويستطيع الجميع النطق بها ايضا , اما هذه اللغة فتختلف الاديان في تحديدها , اليهود يرون انها لغتهم لأسباب يعتقدون بها , والمسلمون يرون انها اللغة العربية , لأنها لغة القرآن , او لغة الاسلام , وغيرهم يرى غير ذلك , وربما اعتقد البعض ان لغة المحشر او يوم الحساب ستكون باللغة التي نطق بها آدم "ع" , في هذا الموضوع جدال ونقاش طويل , كل قوم او اهل ملة يؤمنون بيوم الحساب يعتقدون ان لغتهم هي التي سوف تتجلى ذلك اليوم , قد يعللون وينسبون عدم معرفة غيرهم بلغتهم وامكانيته النطق بها يوم الحساب الى المعجزة الربانية , ويشمل الامر امكانية نطق الحيوان والنبات والجماد بها ايضا الى المعجزة , وربما لديهم آراء اخرى في هذا الصدد.

 لكننا لا نريد الخوض في:

  1. المعجزات والكرامات , بل نبحث الموضوع من حيث الامكانية الطبيعية وبدون تدخلات جراحية.
  2. نريد بحث الموضوع من خلال امكانيته في عالمنا , لا في عوالم اخرى , قد يؤمن بها البعض وينكرها اخرون.   

ما نود الاشارة اليه الى ان تلك اللغة الموحدة موجودة بالفعل , وليست بحاجة الى المعجزة يوم الحساب , تراث الديانات الرئيسية الثلاث مصدقة بالقرآن الكريم تخبر عنها وعمن نطق بها في عالمنا , سليمان "ع" , وقدرته على فهم منطق الطير والحيوان , ابرزها حديثه "ع" مع النملة والهدهد , بل حتى بعض الاثار الواردة من مصادر اخرى تؤكد على ذلك ايضا .

(حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ{18})"النمل" , النملة كائن صغير جدا , في كثير من الاحيان لا يمكن للماشي ان يراه او حتى ان يشعر بوجوده ان لم يكن النمل على شكل جماعات , فضلا عن سماع اصواتها وحوار النملات مع بعضها , فكيف اذا كان ذلك الشخص راكبا مع عدد كبير من الجيش والخيول ؟ ! , شيء في غاية المحال وفقا الى مجريات الامور , الامر يخرج عن الناموس الطبيعي حتى , لكن لو افترضنا وجود طاقة استلهمها سليمان "ع" تنتفي الغرابة , فمهما كانت الاصوات الخافتة او اجتهد مصدرها بالاخفات لابد وان يكون لها موجات تنتقل عبر الفضاء المحيط , تطلب استشعارها بقدرة غير طبيعية للوصول اليها , وانبغى لطالبها من استخدام قدرة استثنائية ليقف عليها اولا , ثم فهمها ثانيا.           

(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ{20}) "سورة النمل" , الى اخر القصة كما يرويها القرآن الكريم , ففيها الكثير من الاستدلالات على الطاقة وتمكن النبي سليمان "ع" منها , نذكر منها :

  1. رغم الكثرة الكاثرة في اعداد الحيوانات والطيور , أكتشف "ع" اختفاء جرم صغير , بحجم هدهد , رغم كثرة الكتل من حوله , امر كهذا لا يمكن بدون قدرات فائقة , اذا علمنا ان كثيرا من الرعاة لا يشعرون بفقدانهم لأحدى الاغنام قد أضلت الطريق او قد سرقها حيوان مفترس , الا بالعد , اما من جهة التحكم بالطاقة , فأنه يستشعر بوجود فقد ما , جزء من الطاقة الصادرة من الرعية مفقودة , هذا يدل على غياب مخلوق ما لم يحضر , قد يكون وافاه الاجل , او ربما قد أضل الطريق او تمرد , او ذهب استطلاعا في ناحية ما , المهم في الموضوع ان جزءا من طاقة الرعية مفقودة , أستشعر بها النبي سليمان "ع" وأعلنها للملأ بعد ان ادرك ان المفقود كان هدهدا.
  2. إعلان النبي سليمان "ع" للملأ بالمفقود بأي لغة كان ؟ , ان كان :

إذا لابد من وجود لغة مشتركة , لغة تفهمها جميع الممالك , مع الاخذ بنظر الاعتبار ان الانسان مكرم على جميع المخلوقات , {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }الإسراء70 , مثلا , لو اراد النبي سليمان "ع" ان يكلم أسدا ما , هل سوف يزأر كما يزأر الأسد ؟! , او أراد "ع" ان يكلم عصفورا ما , هل سوف يغرد كما يغرد ذلك العصفور؟! , الانسان مكرم عن تقليد أصوات الحيوانات , فضلا عن ان يكون ذلك الانسان نبيا , بل ان الكرامة والكبرياء دفعت بالكثير من الملوك بالاستعانة بالمترجمين اذا كان الحوار مع شخص لا يفهمون كلامه , بل تترفع وتتعالى الملوك عن النطق بغير لغاتهم كبرياء وعزة وكرامة , حتى وان كانوا يفهمون تلك اللغة , فما بالك بتقليد أصوات الحيوانات !.    

  1. حضر الهدهد الغائب , وتكلم بلغة ما فهمها الجميع رغم اختلاف ممالكهم , على الارجح انها لم تكن لغة مملكته , والا لما فهمها كثيرا من الحاضرين .
  2. النبي سليمان "ع" عهد للهدهد بمهمة ارسال خطابا الى ملكة سبأ , عند وصول الهدهد الى مكان الملكة لم يكلمها كما يكلم النبي سليمان "ع" , بل اكتفى بإلقاء الرسالة , لعل السبب عدم امتلاك الملكة وعدم معرفتها باللغة المشتركة , او ربما ان الهدهد يعلم انه ليس مخولا بإجراء حوار معها بتلك اللغة المجهولة .
  3. أرسلت ملكة سبأ بهدية للنبي سليمان "ع" بعد ان استشارت حكماء قومها , و النبي سليمان "ع" يرفض الهدية ويعلن في قومه (قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) "النمل38" , الخطاب ايضا كان عاما ولا يعلم هل كان بلغة بشرية , ام انه بتلك اللغة المجهولة , فينبري للإجابة أثنين:

 

*** يتبع