فيصل حسون
(صحافة العراق)
------------------------------------
يقول الاعلامي العراقي الكبير فيصل حسون في كتابه (صحافة العراق): لم تكن الصحافة في العراق منذ عهدها الاول سوى وسيلة من وسائل النضال السياسي والاجتماعي الذي خاضه الشعب من اجل الفوز بالحرية والاستقلال، وفي سبيل تحقيق حياة افضل للمواطنين.
حتى بداية الخمسينيات من القرن العشرين لم يعرف العراق صحافة الخدمات، او حتى ماهو معروف بالصحافة الاخبارية، الا نادرا وفي اضيق نطاق، فكل صحيفة كانت ذات رسالة تعبر عنها بالمقال وبالرأي، حتى وان كان اجتماعيا او ادبيا، فكريا صرفا او تعبيرا عن مطالب فئوية، او دفاعا عن مصالح ذاتية، فالى جانب الكفاح السياسي الذي اتخذ من الصحافة منطلقا للعمل والتوجيه والمساهمة في تكوين الراي العام المساند لحركة التحرر الوطني او الاجتماعي، سعى كثيرين من رجال السياسة والحكم الى اصدار صحف، تحمل اسماءهم الى جانب صحف احزابهم، لما لها من اثر كبير في خلق الرأي العام المساند، او ارساء دعائم خطاب اعلامي عبر هذه الجرائد ليكون رسالة سياسية لقارئ الجريدة، او من المهتمين بشؤون البلد وشجونه.
وصحافة السخرية والفكاهة التي خاضت- حالها حال الصحافة الادبية والاجتماعية- معارك حامية على طريق التحرر الاجتماعي والفكري، عن مختلف مفاصل الحياة واساليبها، تعد رافدا ضخما من روافد العمل الوطني، انصبت فيه مجهودات هائلة لتعرية الواقع المعاش.
من هنا جاءت فكرة الصحفي الكبير واستاذ الاتصال والاعلام الدكتور حمدان خضر السالم لتجسيدها في كتابه ( صحافة السخرية والفكاهة في العراق للمدة من 1909-1939 )، الصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة ب(280) صفحة من القطع الكبير، ملما بتاريخ هذه الصحافة وكتابها وشخوصها ومبدعيها، وموضوعاتها وفنونها الصحفية، التي سخرت طاقاتها وامكانياتها، ونبهت الى مايحدث في مختلف هموم المجتمع، لما يحتله تاريخ هذه الجرائد في العراق من جانب مهم من تاريخ الصحافة العراقية وما اضطلعت به من دور متميز في مسيرتها التي كانت وثيقة الصلة بشؤون المجتمع والحياة السياسية وشجونها، كما يحدد المؤلف ذلك بمقدمته.
فن المتضادات
لا يستطيع من يتصدى للحديث والتنقيب عن الصحافة العراقية، ان يبعد بريشته التنقيبية عن صحافة السخرية والفكاهة، او يجعل حديثه بمعزل عنها، اذ ان هناك اجماع بين الباحثين والمختصين على ان للصحافة الفكاهية مكانتها المتميزة والمؤثرة، ذلك لما تتركه من اثر فعال في المتلقي، قارئا مهتما، اومختصا او متابعا عابرا، او متذوقا، بعده فن المتضادات.
وتكمن مفاتيح السخرية والتفكه من المصاهرة والملاقحة بين الواقع والحلم عبر تقديم أفكار فنتازية لا تخرج عن الواقع مرة والحلم أخرى، حيث اتسمت بالنقد الساخر اللاذع فكانت مقالاتها ورسومها الكاريكاتيرية وتعليقاتها، السلاح الذي رفعته بوجه الظواهر السلبية انذاك، وساهمت في التصدي لكل ماهو فاسد باسلوب ناقد ساخر جرئ، على الرغم من الظروف التي احاطت بها والقيود التي فرضتها قوانين المطبوعات او تعليمات السلطات، فلم تترك الصحافة الساخرة مجالا دون ان تنفذ اليه وتمارس دورها كرقيب شعبي يرصد الاخطاء ويفضح المفاسد ويعري المفسدين وهو ما استعرضه المؤلف من خلال اربعة فصول كانت وفاءا منه لمن سبقوه في العمل الاعلامي للتعريف بنتاجهم واطلاع الاجيال بما رسخوا من مبادئ صحفية اثمرت عن مكافحة الكثير من الامراض السياسية والاجتماعية وغيرها التي نخرت في جسد البلد واحدثت خللا في منظوماته القيمية والمعرفية، فضلا عن ان المؤلف صحفي محترف صاحب مشرط يوجس بكتاباته نبض الكتابة، وحسبه اختار طريق اصعب انواع الصحافة لينقب في دمائها التي اختلطت بهموم العراقيين في مختلف مراحل تاريخ العراق وجغرافيته.
ركز المؤلف على اهتمام الصحافة العراقية بموضوع الفكاهة والسخرية اهتماما واضحا جعل ابوابها لا غنى عنها لاي صحيفة، مستعرضا في فصله الاول( نشأت الصحافة الساخرة )، تاريخ ظهورها في الصحافة الغربية وخاصة الامريكية، وصحافة انكلترا، وكندا، والمانيا، وفرنسا، وايطاليا، والاتحاد السوفيتي السابق، ودول اخرى عديدة، انطلاقا من رؤيتها بالقيام بدور رسامي الكاريكاتير الذي وصفه المؤلف، بأنه تحدي الواقع القائم، وبعد ان تبين الاثر البالغ الذي تتركه النكتة او المفارقة في الرسالة الاعلامية، اذ رافق ذلك بروز مشاهير فن الكاريكاتير في العالم، بعد ان احتوت رسومهم موضوعات مثيرة، كان لها دور كبير في رسم موضوعات تمس مختلف السياسات في الدولة الواحدة، وتلامس تحركات السلطة في جميع الاتجاهات، ويذكر المؤلف بأن عرضه للصحف الساخرة في العالم ليس استعراضا فحسب بل هو اشارة لبعض النماذج التي انتشرت خارج الوطن العربي في اول الامر، ثم محاولة الصحافة العربية لتقليدها، والتأثر بها.
ولدت الصحافة الساخرة في المنطقة العربية، بميلاد الصحافة الساخرة في مصر، والتي تميزت، بالنقد اللاذع البارع الذي ابدعه ( يعقوب صنوع) في مجلته ( ابونظارة) كلاما ورسما والذي وصفه المؤلف بأنه سيد الساخرين في العصر الحديث، ثم يشير المؤلف الى مجلة (التنكيت والتبكيت) التي اصدرها ( عبدالله النديم) والتي عدت من اشهر المجلات الفكاهية في مصر، تلتها صحف ساخرة اخرى استعرضها المؤلف، استعراضا مفصلا، مبينا دورها في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتأثيرها البالغ فيهما.
اما في تونس فان الصحافة الساخرة فيها قد تاثرت بالصحافة المصرية الساخرة، اذ دخلت ميدان الفكاهة مستعينة باللغة الدارجة في تناول الموضوعات مما كان له الاثر الاكبر في نقد توجهات الحكومة، وفي سوريا كان مولد الصحافة الساخرة كما في العراق بعد الانقلاب الدستوري العثماني عام 1908، تلتها اصدار صحف ساخرة وفكاهية وهو حال الصحف الساخرة في الاردن وفي المغرب العربي، والجزائر، وفلسطين، وغيرها.
افواج من السحرة المقامرين
اما في العراق فقد تناول المؤلف الصحافة الساخرة منذ عام 1909 لغاية 1939، في ( الفصل الثاني)، التي اتسمت بما اتسمت به الصحافة من منحى سياسي وما تضمنته من نقد ساخر ورصد للظواهر السلبية في المجتمع، كما كانت رقيبا على اعمال الحكومة، ويستعرض المؤلف بالتفصيل الجرائد الساخرة التي صدرت في العراق مبتدأ بجريدة ( مرقعة الهندي) التي عدها فاتحة الصحافة الساخرة في العراق، ثم جريدة ( النوادر)، وجريدة ( جكة باز)، ومجلة ( الغرائب)، ومجلة ( الرصافة) وجريدة ( بابل)، و (البدائع)، و( المراقب) و( جحا الرومي) و(الادب)، و(الهزل)، و (كناس الشوارع)، و( بالك)، و(المداعب)، و(التهذيب)، و(سينما الحياة)، و(صدى الحقائق)، و(البرهان)، و(الناظرة)، و(الناقد)، و(الشباب)، و(مجلة الرياحين)، و(جريدة الرصافة)، و(حبزبوز)، و(بهلول)، و(جريدة ابو احمد)، و(مجلة القسطاس)، و (العندليب)، و(جريدة النديم)، و(ابو الشمقمق)، و(المداعب)، و(الانذار الاول).
ان استعراض المؤلف لما صدر من اعداد الجرائد الساخرة هو ابراز ميزات الفنون الصحفية المتنوعة، وصفحاتها الثائرة، والهدف من اصدارها والمشكلات التي واجهتها من السلطات الحكومية انذاك، مستعرضا ابرز ما نشرته من موضوعات وافكار ساخرة اولتها اهتمامها، واثارت حفيظة الحكومة بمختلف مراحلها مما عرضها للاغلاق في محاولة لقمع سخريتها اللاذعة من الاوضاع المختلفة، ومن السياسة والسياسيين.
وغايتي من ذكر كل ما درسه المؤلف من جرائد ساخرة هو هذا العدد الكبير منها في بيئة لم تكن حاضنة لهذا الفن ولم تكن راعية له برغبة حكومية او مجتمعية بل ان صدورها واستمرارها،
جاء باصرار من الصحفيين والمثقفين الذين جندوا وسائل التعبير في افواج من السحرة المقامرين بحياتهم وحريتهم ومستقبل بلدهم، اذ ان تجذير السخرية في مأدبة اشتغال الصحافة هو تنوع ملازم لواقع متخيل في الروح العراقية، متوازيا مع ممارسة التسيير الرمزي لنقد الواقع المزري وصناعة الصراخ ضده والتي اجادها صناع الجرائد الساخرة، في مشروع نقدي مؤتلف لتقويم الواقع وانتشاله مما هو فيه، وهو ما احوجنا اليه في الوقت الحاضر، اذ ان الصحافة الساخرة ما عادت تتماهى مع البعيد بل مع الواقع - بحسب تعبير المؤلف- تتوغل فيه وتوظفه للمتلقي مما افضى الى النظر مقاربة لغة التمازجات بين المتلقي وواقعه، اذ افسحت المجال حول الاقتران بينهما في محاولة لهندمة رؤية احدهما بعين الاخر (المواطن- الواقع)، وما احوجنا الان لمثل هذا النوع من الصحافة.
وعلى الرغم من ان بعض صحف الثلاثينات، كانت ترمز بالنقد والسخرية الى بعض المسائل والعادات والتقاليد الاجتماعية، او تغمز احيانا من المواقف والقضايا السياسية، بالاسلوب الذي كان يقرأه ويتابعه صحفيو ذلك العهد في الصحف التركية، فان صحافة السخرية تعثرت ولم تتح لها فرصة الازدهار والانطلاق، والسبب في رأي بعض الباحثين الطبيعة العراقية الجادة والحادة التي تعاني من الحساسية البالغة تجاه النقد اللاذع أو السخرية التي تكون جارحة أحيانا أو التهكم عندما يتجاوز الحدود، ولأن الفرد العراقي في اغلب مدن العراق لم يتعود تقبل النكتة والتعامل المرح مع الغمز واللمز، بل انه يمارس ذلك الاسلوب بحدة واهتياج يدفع به الى فظاظة في الرد والمجابهة قد تنتهي بنتائج غير محمودة العواقب من العداوات والخصومات، مما ادى الى ان بعض الجرائد الساخرة لم تعمر في الظهور طويلا.
وثائق- تاريخ
ان التنقيب في ما صدر من جرائد، يجد تاريخ العراق السياسي وتطوره، الاجتماعي، مسجلا باسهاب لا نظير له على صفحاتها، لأن الصحافة كانت جزء من هذا التاريخ، فضلا عن انها عكست تفصيلاته واحداثه، وخباياه، واسراره، فهي لا تخلو من غائية او قصدية في تلميحاتها، بل توجد مرام، واهداف تقض مضجع المواطن، تحيكها الصحافة لتكون منتج فكاهي ضمن موجهات متمايزة تثير السخرية، وتحمل بين غنائمها نقدا لاذعا تنقحه بدراية كاملة ليتندربه المتلقي وتتوسع ثماره وينتشر رحيقه بسرعة بين الناس، وابرز ماتميزت به الصحافة الساخرة هو ايماءات نقمة على سوء الاوضاع السياسية اذ كانت نقمة الشعب تنصب على الانكليز واحتلالهم وتسلطهم على العراق ومقدراته، وعلى الفئة المتعاقبة على الحكم المستسلمة للانكليز.
في لقاء معه، منشور يقول المؤلف:-
- ان هذه الجرائد لم تكن تهدف الى الاضحاك والترويح والتنكيت لغرض الضحك، وانما كانت لها اهداف ابعد من ذلك، فهي صحافة جادة، ناقدة ولاذعة، ولها وقع مؤلم وجارح ولكن باسلوب ساخر، لذا فان السخرية هنا سلاح فعال لتصحيح الاخطاء والانحرافات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويفسر المؤلف الفرق بين مفردة الساخرة والهزلية، فأن السخرية اشمل واعم، لانها تحمل في طياتها الهزل، وان كان الهزل ياتي مرادفا للتفكه، فان السخرية قد تكون بمنتهى الجدية ولكن تبعث على التفكه والضحك والابتسامة، فهي تتناول موضوعات سياسية او اقتصادية او اجتماعية هامة ولكن اسلوب التناول تطغي عليه السخرية، والنقد، والسخرية هنا دعوة للتامل واعادة النظر وتصحيح الاعوجاج، وليس دعوة للضحك والترويح، والترفيه، ولذلك وجدنا اغلب الصحف الساخرة، نعتها اصحابها بالفكاهية او الهزلية، وكانت موضوعاتها ساخرة ناقدة لاذعة تعبث بمن توجه اليه وتحط من قدره وتهز عرشه، وقد تجعل منه اضحوكة او امثولة.
بين السياسة والصحافة
في الفصل الثالث للكتاب يستعرض المؤلف الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للصحافة الساخرة، اذ ان عملية التنقيب التي قام بها المؤلف في خاصرة مؤلفه- الوثيقة، افصحت عن الارتباط الوثيق بين الصحافة الساخرة والسياسة يتجلى بكل وضوح عند الحديث عنها، اذ احترفت التناغم مع مشاعر الشعب المكبوتة والتي تغلي بالالم والاوجاع والعوز من السياسات المتعاقبة التي انتهجت سياسة التجويع والمجازر والارهاب والاحكام العرفية والاعتقالات والاعدام والسجون، واساءة معاملة المواطنين وحاجاتهم اليومية المتصلة بالغذاء والكساء وارتفاع الاسعار وتقليص البضائع والمواد الاساسية، والبطالة، وسوء ادارة الجلسات النيابية، وغيرها.
ركز المؤلف على اهتمام جميع الجرائد الساخرة باوضاع البلد، مشخصا بأن اهتمامها متباينا من جريدة لاخرى، فمنها جرائد عنيت بالموضوع السياسي وعرضت القضايا السياسية، وأخرى، اقتصرت على الاتجاهات الاجتماعية، والادبية، مبتعدة عن الاتجاهات السياسية، ملتزمة بخطتها في كونها جرائد اجتماعية ادبية هزلية.
فيما كانت الجرائد التي تناولت القضايا السياسية، متأثرة في موقفها وطرحها السياسي، بعاملين:-
أولهما:- الظروف السياسية، وطبيعة التيارات الفكرية التي سادت الحياة السياسية في العراق، خلال تلك الفترة.
وثانيهما:- الانتماء والتعاطف الفكري لأصحاب تلك الجرائد.
اذ تمثلت الاهتمامات السياسية للجريدة الساخرة، في معالجة بعض الأوضاع والأحداث، التي كانت سائدة أو جرت في تلك الفترة، والتي كان لها أبرز الأثر في حياة المجتمع، ولعل من ابرزها الانتخابات النيابية، التي كانت موضع حديث، وتساؤل، ونقد، من قبل الصحافة.
ان عملية التنقيب التي قام بها المؤلف في خاصرة كتابه- الوثيقة- واستقصائه عنها هو صرخة مدوية تنطلق بحنجرة محترفة غايتها تذكير الاجيال، بقدرة المثقف العراقي في حرث الارض من جديد وتقليب تربتها، كي يروي بها، ذرات كادت ان تتحول الى صخر بمرور السنين لقلة حارثيها، فقد يكون من اليسير ان يتحدث من يتصدى لتاريخ صحافة السخرية والفكاهة ان يكون حديثه عابرا يكتفي فيه بذكر اسماء الجرائد واصحابها، لكن المؤلف الدكتور السالم ارادنا ان نقف ونتأمل في فوضى الصحافة الحالية، وينبهنا الى ان درس الصحافة، هو الدرس الوحيد في الكون الذي يصنع ويؤثر وينطق ويصرخ، كأنه حين رمى الحجر في البركة الراكدة اراد ان يقود التاريخ من اذنيه، ويلصقه بالعيون المتحجرة، التي لا تجيد سوى فن التلميع، والتنميط والكلام المعسول الذي لا يغني ولا يسمن.
وهو هنا تطرق الى ادوارها وتأثيرها والصدى الذي احدثته موضوعاتها اللاذعة، وتصديها للقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية معا، ملفتا نظر المهتمين في (الفصل الرابع)، بالالوان الصحفية، والادبية فيها، حين استخدمت الصحافة الساخرة مختلف الانواع والفنون الادبية والصحفية، في نقل رسالتها وايصالها الى القارئ، كالمقال والقصة، والرواية، والشعر العامي والفصيح، والحوارات الساخرة، والمقابلة الصحفية، والخبر الصحفي، فضلا عن الابواب والزوايا، والاعلانات.
اولت الجرائد الساخرة، اهتماما كبيرا بفن الكاريكاتير مع ان هذه الجرائد هي التي يترعرع في ظلها فن الكاريكاتير وينمو ويبدع، حتى يغدو الرسم الكاريكاتيري مع النقد اللاذع أبلغ أثرا وأعمق تعبيرا، بالرغم من قلة رسامي الكاريكاتير انذاك ويعزو بعض الباحثين ذلك الى ان ظروف العراق وطبيعة الشخصية العراقية، والابتعاد عن المواجهة والاستهداف من السلطة ومن المجتمع، ادى الى عدم ظهور اعداد كبيرة من رسامين مبدعين للكاريكاتير، فضلا عما يتطلبه ظهورهم بأن يكونوا من ذوي الثقافة الواسعة، والاطلاع على الاحداث والالمام، بالظروف السياسية، والاجتماعية، لتكون رسومهم معبرة، وناطقة، بما يغني المحررون، عن الاستعانة بالكلمات المملة لشرح الكاريكاتير الواضح الدلالة، على مايريد قوله، ولا يكفي أن يكونوا من القادرين على ابتكار هذه الأفكار والأبداع، في تنفيذها.
ملاحظات عابرة
ما يسجل ضد الكتاب- الوثيقة، عدم التعرض لفن الاخراج الصحفي والطباعة ونوع الورق المستخدم انذاك، لان الصحف في ذلك الوقت لم تعرف شيئا عن هذه الفنون، والافتقار الى اساليب الطباعة والتنضيد والتصميم والاخراج، ونوع الورق، مع درايتنا بأن المؤلف قد التزم بالمنهج العلمي الذي تتطلبه الدراسات الاكاديمية، تاركا للمهتمين مواصلة البحث والتنقيب عن هذا الامر.
بقي ان نقول ان مقدمة الكتاب مؤرخة في كانون الثاني 2007، بينما تشير طبعة الكتاب الى 2010، أي ان هذه الوثيقة المهمة ظلت حبيسة ادراج دار الشؤون الثقافية العامة لأكثر من ثلاث سنوات حتى رأت النور في حين ان اعلامنا بأمس الحاجة لهذا الكتاب المهم لما فيه من دروس وعبر تحيط بالعمل الصحفي بل وتمنح الصحفي حديث العهد بالصحافة الكثير من قيم العمل الاعلامي.
فضلا عن الدرس الذي لا يستطيع احد ان يمنحه وهو التجربة والحرفة والمهنية الصحفية والمسؤولية الوطنية والانسانية التي تمتاز بها جرائد ايام زمان، و صحفيوها، مما الحق ضررا كبيرا لاجيال من الاعلاميين الجدد وطلبة الاعلام، للاطلاع والاستفادة من ارث من سبقوهم بهذا الخندق الذي يلوي مصائر الشعوب كما تلوي السياسة رقابهم، وهي دعوة للدار الى ضرورة الاسراع بطبع مثل هذه الوثائق المهمة التي اغنت المكتبة العراقية والعربية بأندر الكتب، فضلا من ان الكتاب يعد اضافة نوعية في تاريخ الصحافة العراقية. |