التسول ظاهرة موجودة بوجود المجتمعات في القديم وحتى يومنا هذا وتختلف الممارسات فيها من عصر إلى عصر, إما إشكالها وطراز سيرتها ومحتواها فيختلف فيها الأمر من بلد إلى أخر , فترى بلدان إن ظاهرة التسول فيها عبارة عن شخص يقدم إنتاجه الفكري بصورة فردية وإمام أنظار المارة أو إن يقوم بعمل يلفت نظر المجتمع إليه أشار منه وترفعاً لكرامته وهذا يحسب لظروف وتطور البلد من الناحية الثقافية , وعلى العكس ترى في بلدان اخرى إن هذه المهنة قد جرى عليها نوع من التطور البهلواني وإبداع في اختراع الدرامي المسرحية ليستعطف فيها الناس قدر تمكنه بالسيطرة على عواطف واستمالتهم بالعطايا السخية , سؤل الإمام الصادق عليه السلام إذا جاء محتاج يستعطف الناس فماذا نفعل , قال إما عطية قليلة أو قولا" معروف وهذا الكلام مطابقا" لقوله تعالى ( قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ)البقرة 263, ما أكثر ما نسمعه يومياً أمثال مطابقة لما نعيشها ومستمدة من الواقع الاجتماعي وعن تجارب , فأختلط علينا كما قيل الحابل بالنابل , وأنت تقف في إي مكان من المحافظات العراقية وبدون استثناء لسبب أو لأخر لربما شراء حاجة أو انتظار صديق تمر عليك طوابير متفرقة من المتسولين ولهم نبرات صوتيه في الدعاء لا يمتلكها ولا يحفظها كثيرا من الناس فلا تستطيع إن تميز بين من هو محتاج أو جاء ليحصل على الأموال بطريقة غير شرعية , ولو إن الكثير من المحتاجين فعلاً ينبذون طريقة التسول وهنالك عوائل متعففة قد وصل الأمر بها حرمان نفسها من التغذية الجيدة أو شراء بعض الملابس الضرورية فهم لايفتحون أبوابهم ويجعلون احتياجهم داخل منازلهم لايعلم به أي شخص’ كما ويتحملون الأذى في سبيل عزة أنفسهم , إن التسول ظاهره خطيرة جدا وخصوصا هولاء الذين يجوبون الشوارع للحصول على الأموال بطرق الغش , وهي تشكل تخلف اجتماعي وحضاري لبلد معروف بمقوماته الاقتصادية والدينية كما إن معظم الجرائم والتنفيذ تكون الأيدي الطويلة بها للمتسولين ويمكن استغلالهم في تسريب المعلومات وتنفيذ عمليات إجرامية لشدة بؤسهم وعدم امتلاكهم للروح الوطنية وهدفهم الأول والأخير هو كيفية مليء بطونهم بالأموال بغض النظر عن مصادرها ولو ميزوا بين تلك الأمور لخفت موازين التسول واتجهنا لغلق هذه الفجوة الخطيرة , ولا يخفي على الجميع إن المتسولين عندهم جوازات مرور في جميع الأماكن الرسمية لتعاطف اغلب الناس معهم دون النظر لمايحملونه في طياتهم ولا استطيع إن احمل كل مايجري بهذا الخصوص الدولة أو الظروف الصعبة التي يمر بها القطر واعتقد إن الكثير منهم راقت له هذه العملية لأنها لأتكلفهم بحث وسهر ومجهود بدني وتفكير ذهني أو رؤوس أموال مستثمرة تخضع للربح والخسارة, كل مايتطلب من المتسول هو إن يضع كرامته في داره ويلبس الملابس الممزقة ويحفظ الدور, إن الكثير من المتسولين يتزايدون فيما بينهم على المواقع المهمة المزدحمة بالتبضع وتصل في بعض الأوقات إلى المشاجرة والحسد فيما بينهم وهذا دليل على إن المتسولين همهم الأول والاخيرملىء جيوبهم ولايعيرون لمبدأ الكرامة والخجل إي شيء سوى الحصول على الأموال بهذه الطريقة ,إما أصنافهم فهي كثيرة تجد منهم الذي يقول لك إني محتاج مبلغ لإجراء عملية في المستشفيات الأهلية أو انه يقول ليس عندي أموال استطيع إن أؤمن الغذاء لعائلتي أو لايوجد عندي مبلغ كافي لأخذ إشاعة وأكثر هذه الحالات تجدها عند صعودك في السيارات , إما الصنف الأخر من النساء فهي التي تستر وجهها خوفاً من التعرف عليها وتصاب بالحرج لا حياءً من الله كما يتصوره بسطاء الناس والقسم الخطير من هذا النوع هو إرسال الأطفال بما فيهم البنات الصغار وبدلاً إن نبني قاعدة رصينة يكون فيها الطفل اللبنة الأساسية في تطور أسس المجتمع السليم حولنا المجتمع على الأمد البعيد مجتمع متخلف غير واعي , إن معالجة ظاهرة التسول لأيتم النظر فيها من زاوية واحدة وتحميل وزارة الداخلية أو وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بتقديم الرواتب العينية , إنما المعالجات تبدأ من جميع شرائح المجتمع وان يتفهم كل الشعب بان إعطاء المال سيزيد من هذه الظاهرة , وان يخصص قسم من المحاضرات الدينية ومن على المنابر شطراً للتحدث وتبصير الناس با أخطر ظاهرة يمر بها المجتمع هي التسول, وان تكون لوزارة التربية دورا مهما بعدم فصل الطالب والوقوف على ظاهرة الغياب ومعالجتها خوفا من تسربهم للشوارع العامة, وان تتدخل وزارة الصحة بمعالجة الفقراء بالمستشفيات الحكومية وتوفير العلاج المجاني للعوائل المتعففة وان تهتم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بالعوائل الفقيرة والتي وقع عليها الحيف الأكبر وان تدقق في سجلاتها أسماء الحاصلين على المعونة الاجتماعية خوفا من ذهابها إلى رجال ونساء لايستحقونها وان تتضافر جميع الجهود من اجل تقليل ظاهرة التسول التي انتشرت بكل ثقلها هذه الأيام أنها بحق مسؤولية تضامنية لا أستثنى منها احد حفاظاً للمصلحة والاستقرار الوطني . |