من يأمر السلطان
ويقول له : إفتح فمك وأسكت الآن
غير طبيب الأسنان ؟
هو الوحيد يمكن أن يجرؤ ويتحدث لصدام حسين او حسني مبارك او العقيد معمر القذافي عن الم الاسنان ثم يفتح الزعيم فمه بعيدا عن الكاميرات ليتصرف الطبيب بطريقة مناسبة تخفف الألم, وقد تنهيه .. ويمكن للطبيب في حال قلع أحد الأسنان المصابة بالتسوس معرفة متى سيتم إقتلاع الزعيم نفسه ؟ فهو ناب مسوس في فم الشعب المغلوب على أمره ,وكان ينام كل ليلة وفي كل المدن والقرى يتأوه ويدخن السجائر ويبحث عن حبة براسيتول تهدئ من أوجاعه وتسمح له ببضع ساعات من نوم لم يكن هانئا ابدأ,وياله من شعب!
لا أحصي المرات التي راجعت فيها عيادة طبيب الأسنان. وكنت أشعر بالرعب بعد ليلة مفجعة حرمت فيها من النوم ,ومن الحلوى والعشاء. كان العالم من حولي مظلما موحشا لا أعرف منه سوى مكان الألم, ومنذ أيام الطفولة وحتى اللحظة كان ألم الأسنان (الدكتاتور) الذي لم أستطع قهره . قلت للطبيب الشاب الموصوف بالمهارة والذي يعمل في عيادته الخاصة بناحية بائسة شمال بغداد: لا أريد ألماً ,وإذا شعرت به فسأغادر وبسرعة. قلت له ايضا: لا أريد أن أشعر بألم حقنة البنج وهي تخترق اللثة ..وحسنا فعل, فقد زرق الفم بمادة ما لم أشعر بعدها بشيء .
قلت ذلك لطبيب حاذق تقع عيادته في شارع السعدون, وكان عند وعده فلم أشعر بشي من الألم ..وبين أيام الطفولة والرعب وهذه الأيام التي لم أعد أخاف فيها من الألم, فرق كبير..
الأوجاع كلها سيئة كريهة قاسية مثل جلاد في سجن عربي لا تعرف الرحمة طريقها الى قلبه, ولا ينبض هذا القلب إلا برغبة التشفي والإنتقام ,لكن وجع الأسنان له حضور مفجع فهو يضع الرأس في دائرة المساءلة ,ويعطل حركة الحياة فيه, ويشل قدرته على التفكير ,فلا تعود من رغبة في ايجاد الوسيلة لوقفه عن حده, ويكون الهتاف المرير طوال الليل :الرأس يريد إيقاف الألم..
أطباء الأسنان مثل بقية الأطباء في تقاضي الأجر ,لكن المبتدئين ليسوا ككبار الأطباء, والذين يعملون في العاصمة هم أعلى أجرا من أقرانهم في الضواحي البعيدة ..
البعض يشبه الأطباء بالقصابين .ومهنة الطب التي تقوم على مبادى الرحمة وتخفيف الآلام لا تحتمل القفز على المعاناة ,وإستيفاء أموال طائلة من المرضى الذين يتوجعون أمر غير مبرر إطلاقا .
كثيرون ماتوا لأنهم لم يجدوا المال الكافي للحصول على علاج ، ومنهم من إحتاج الى تداخل جراحي لكنه لم يجد مقابل العملية التي يتجمد فيها قلب الجراح ولا يعود يفكر سوى في المال وإنجاز المهمة بإنتظار ضحية قادمة ..
hadeejalu@yahoo.com |