جارية بن قدامة بن زهير بن الحصين من بني سعد بن زيد مناة بن تميم، عم الأحنف بن قيس التميمي، وقيل ابن عمه، صحابي رأى النبي صلى الله عليه وآله، وروى عنه. ثم اختص بالإمام علي عليه السلام، فكان رجل المهمات الصعبة، والمواقف الملمَّة يدعوه عليه السلام الى كل كريهة فيجيب طائعا، ويسرع ملبيا.
سكن جارية البصرة بعد تمصيرها في خطة قومه بني سعد والتي كانت تقع جنوب شرقي المسجد، حيث قبر طلحة بن عبيد الله اليوم.
وهو الذي تولى أخذ بيعة أهل البصرة للإمام أمير المؤمنين عليه السلام حين ولي الخلافة، ثم لازمه ملازمة الظل للشاخص، يحلُّ حيث حلَّ، ويرتحل حيث ارتحل.
فحضر جارية مشاهد الإمام عليه السلام كلها، أميراً على تميم البصرة في معركة الجمل، ثم سكن الكوفة ليكون قريبا من الإمام عليه السلام. فشهد معه صفين أميراً على بني سعد وقبيلة رباب البصرة، كما شهد النهروان.
ظهرت كفاءة جارية بن قدامة كقائد محنك، وفارس مغوار في إخماد الفتن التي كانت تثيرها بقايا الخوارج بعد معركة النهروان، فكانت هذه المجموعات تخرج لتعيث في الأرض فساداً، معتدية على أرواح المسلمين وممتلكاتهم، شأنهم شأن خوارج العصر من داعش وأخواتها.
ومن تلك الجماعات: الأشهب بن بشر خرج في مائة وثمانين في جرجرايا بين بغداد وواسط، فوجه الإمام عليه السلام اليه جارية بن قدامة فقتل الأشهب وأتباعه.
ثم خرج رجل يقال له أبو مريم السعدي في شهرزور، فندب له الإمام عليه السلام شريح القاضي في سبع مائة، ففر شريح وجيشه من المعركة، فخرج إليهم أمير المؤمنين عليه السلام بنفسه، وجعل على مقدمته جارية بن قدامة، فدعاهم جارية الى طاعة الإمام وحذرهم القتل فلم يستجيبوا، ولحقهم أمير المؤمنين فدعاهم أيضاً فلم يستجيبوا، فقاتلهم فقتل أغلبهم.
وارتدَّ أهل نجران عن الإسلام، فوجه إليهم أمير المؤمنين عليه السلام جارية فردهم الى رشدهم.
واستعمل معاوية أسلوب الغارات على أطراف العراق والحجاز، وكان أكبرها غارة بسر بن أبي الأرطاة، فعاث فساداً ونهباً وتحريقاً في كل مكان مر فيه، من المدينة الى اليمن، ووالي اليمن يوم ذاك عبيدالله بن العباس ففر من بين يديه، فألقى بسر القبض على ولديه وهما صغيران فذبحهما على درج صنعاء!
لم يقف أمير المؤمنين عليه السلام أمام هذه الجرائم النكراء مكتوف اليدين، فندب أصحابه فتثاقلوا، وأجاب جارية فقال عليه السلام: ((أنت لعمري ميمون النقيبة، حسن النية صالح العشيرة)).
فبعثه في ألفين لمواجهة بسر، فسار جارية حتى وصل البصرة، ثم مضى نحو الحجاز، وواصل مسيره حتى وصل اليمن، ففرَّ بسر وكل من كان على هوى معاوية، وما زال جارية يتعقبه وبسر يفر من بين يديه حتى أخرجه الى الشام هارباً.
بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام دخل جارية بن قدامة على الإمام الحسن عليه السلام معزياً ومبايعاً فقال: ((ما يجلسك؟ سِر رحمك الله الى عدوك قبل أن يسار إليك! فقال الإمام الحسن: لو كان الناس كلهم مثلك، لسرت إليهم)).
|