أثارت وثائق (وكيليكس) المنشورة بشان حرب العراق ضجة إعلامية وسياسية كبيرة على المستويين الداخلي والدولي بشان الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الأجنبية والعراقية بحسب ماجاء في هذه الوثائق .
وبغض النظر عن المعني والمسؤول في هذا الأمر ، ألا إن الجهات السياسية والحكومية في العراق سارعت ومنذ اللحظات الأولى لنشر هذه الوثائق إلى النفي والتأكيد والتبرير ... بحسب اتجاه وتوجه كل جهة وبمايتناسب مع مصالحها في هذا الوقت بالتحديد ، وتناسى الجميع خطورة هذه الوثائق ومغزى نشرها في هذا الظرف العصيب الذي يمر به العراق .
وفي الوقت الذي تمر فيه الحكومة بحرج شديد بسبب الاتهامات التي وجهتها الوثائق لرئيس الوزراء الحالي ومرشح التحالف الوطني للدورة الثانية (السيد نوري المالكي) استغلت القائمة العراقية هذا الموضوع ودعت إلى عقد جلسة استثنائية للبرلمان العراقي لمحاسبة السيد المالكي كما ادعى بعض أعضاء القائمة ، فيما تشير اغلب الدلائل إن الهدف من هذه المناورة هو عرقلة المالكي ووضع الصعوبات أمام توجهه لتشكيل الحكومة الجديدة التي لم تولد ملامحها بعد .
واللافت للنظر في هذا الأمر أي من القوائم السياسية لم يتطرق إلى الانتهاك التي حدثت للأبرياء كما تشير الوثائق ... ولم يذكر احد عدد الأبرياء الذين قتلوا منذ بداية الحرب حتى الآن ... ولم تكلف أي جهة سياسية نفسها في التحري ومعرفة المسؤول عن عمليات القتل التي جرت في العراق سواء كانت الأعداد بحجم مانشرته هذه الوثائق أو اقل من ذلك .
وبعيدا عن رأي السياسيين ومواقف الدول المجاورة ومنظمات حقوق الإنسان يبقى الشعب العراقي هو المعني بهذا الوثائق وهو المتضرر الوحيد في حالة صحة ماجاء فيها من معلومات تشير إلى انتهاكات وعمليات قتل مورست بحقه (أي الشعب العراقي) سواء كانت من القوات الأجنبية أو المنظمات الإرهابية أو بعض العصابات التي كانت متنفذة في البلد .
الشعب العراقي لم يعير لهذه الوثائق أي اهتمام بقدر الاهتمام الذي أعاره السياسيون ... ولم تشغله كما شغلت بعض الدول الأجنبية والإقليمية ... كما لم تأخذ من وقته الكثير على الرغم من انه المعني والمتضرر الوحيد كما قلنا سلفا ، ومرت عليه مرور الكرام ولم يكن لها ذلك الصدى الذي كان متوقعا .
وربما موضوع تأخير الحكومة وانعدام الخدمات والفراغ السياسي الذي يعيشه العراق لم يترك فراغ في ذهن المواطن العراقي الذي أدرك جيدا وبحنكة سياسية فاقت حنكة السياسيين المفترضة ، خطورة هذه الوثائق ومغزى نشرها في هذه الأيام ... والهدف من وراء هذا النشر الذي جاء متأخرا ، وربما لم يكن في حساب ناشريه أن يتعامل الشعب العراق مع هذه الوثائق بهذه الطريقة ... على الرغم من تهديد الموقع بنشر وثائق وأدلة أخرى تضاف إلى الوثائق المنشورة والتي تقدر بحوالى (400) ألف وثيقة .
ويدرك الشعب العراقي جيدا لاجدوى حتى من المطالبة بحقوقه من قبيل رفع دعاوى قضائية سواء كانت على القوات الأجنبية أو القوات الحكومية المتهمة بارتكابها عمليات قتل وتعذيب لعدد من العراقيين ... فالقوات الأجنبية محمية بحصانات قانونية تمنعها من المثول أمام المحاكم العراقية ... وشاهدنا في السابق الكثير من الانتهاكات التي جرت في العراق ولم يتخذ بحقها أي إجراء قانوني عادل ، أما القوات العراقية يبدو إن الأمر مشابه تماما لوضع القوات الأجنبية ... فمن الصعوبة بمكان التحري ومعرفة الجناة ، بسبب التكتم والنفوذ الحكومي وسيطرته على مفاصل أجهزة القضاء في العراق ، يضاف إلى ذلك قانون (4) إرهاب والذي أصبح السيف المسلط على رقاب العراقيين لاسيما الأبرياء منهم بدلا من الإرهابيين... فهذه التهمة أصبحت جاهزة على أي شخص يطالب بحقه خصوصا إذا كان هذا الحق يسبب إحراج للحكومة ... والدليل على ذلك ماجرى بعد أحداث مظاهرات البصرة المطالبة بتحسين التيار الكهربائي .
لكن يبقى السؤال المهم هل ستؤثر وثائق (ويكيليكس) على قرار المواطن العراقي وتغيير من موقفه تجاه الحكومة ؟ وهل سيسحب المواطن تأييده للحكومة ويفكر ببدائل ناجحة تغيير مشهد العراق السياسي القادم ؟ أسئلة كثيرة لازالت تدور في ذهن المواطن وربما لانجد لها جوابا في الوقت القريب.
علي المالكي
ali.almaleky@yahoo.com |