فاح عطر الشهادة عند ظهر عاشوراء، وضرجت الاجساد الطاهرة بمسك الدماء، حينها كشف الحسين سوء النوايا وخسة الجيش الاموي الذي تخلى عن انسانيته بكل تعاملاته مع الساقطين على ارض كربلاء .
الحسين ، واخوانه ، أبنائه ، و اصحابه لم يبقى للعقائل منهم أحد الا المُوصات بهن - عقيلة الهاشميات زينب - ، والامام العليل زين العابدين .
اجتمعت آفات الموت والمحنة عند ظهر الفاجعة ، العطش و الجوع والوحوش الانسية التي لم تراعي اي حرمة لرسول الله تعالى بآلِ بيته الكرام ، حرقوا الخيام على العيال ، وسلبوا ما في مقدورهم سلبه ولم يبقى للأهل النبي سوى الخدر و خيمة السماء ..
مر الليل مظلم متشحاً بحمرة دموع السماء ، يبكي حسين واله الشهداء ، حتى الصباح كانت السماء تنوح ، والشمس مكسوفةٌ خجلاً من هول المصاب والم ما صار ..
أعلن الغافلين الخارجين نصرهم المغشوش ، و طاروا بأجنحة فرحتهم الغشيمة لقتلهم الغريب بعد قلة الناصر وخذلان الصديق ، لكن هيهات فهم لا يعلمون ما يعلم الحسين ، فهو السائر على ارض الحكمة حيث الطف التي بدأت لكي لا تنتهي ، فالضياع الذي رأه يزيد وهلهل له ابن سعد وشمر لم يكن ضياع واقعي ، انما كان امل الدم الذي انتفضت الضمائر به لتعود الى رشدها فيُفضح الظالم ويَسقط ما بين أيديه ضعفاً وندما ..
رحلة السبا بدأت ، وأيُ سباءٍ ذاك سبيٌ مزعوم ، تصوره عبيدالله بن ابيه ويزيد المخزي في عقر داره .
سبيٌ هدم القصور على ملوكها ، وفضح الفاجرين فرفع الخِمرُ عنهم ، فأي موت يهدد زين العابدين الذي صاح بالظالم : أبا لقتل تهددني يا ابن زياد أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة ..
ليعلن السجاد نصر النهضة مع اولى المواجهات الكلامية في عقر دار الطغيان ، و أتمت زينب الخطاب بوجه يزيد ، وكان حديثها العظيم صرخة مزقت راية نفاقه ، وشتت صلب افكاره ، وكأن الطير على رأسه ، فلا يعرف من منطق الاجابة حديث : فوَاللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا ..
على أعتاب هذا الخطاب مزقت رايات السواد ، وانتهت بُدعُ يزيد الواهية ، فهاجت ارض الشام وضاقت بما رحبت ، فرأس الحسين - رأس الخارجي الذي ادعاه يزيد – عرفه الشاميين من يكون فهو إبن الحقيقة الظاهرة ، وأَية الاسلام النبيلة ، لقد تجرأت الكوفة بطاغيها السفياني ابن زياد وشيعته ، والشام بيزيدها الفاسق ، فذبحوا بيضة الدين ورفعوا رأس الحقيقة على سنان الرماح فَاعتْمَّ به صرحاً ، لكن الان انتهى كل شيء وتغيير ما كان بحسبان يزيد ، ليحدث اول نصر لقطرات الدم على نصل السيوف الحادة ، فأفكار الحسين زروعٌ تُنشئ جيلاً من رماد وتحيي عظام بعد طول فناءٍ ، فتشرقُ شمس الضمير عند ذكر الحسين ليتغير الواقع المرير رغم الليالي الحالكة التي حاطت البراءة المزعومة ظلماً وطغياناً .
|