يولد الأطفال على الفطرة النقية التي فطر الله تعالى الناس عليها، بل قد لا تجد براءة في الفعل والقول والممارسة كما هي عند الأطفال، فهو يولد صفحة بيضاء نقية من كل شوب، إلا أنه يكتسب من محيطه الاجتماعي -الأسرة والمدرسة...- الكثير من العادات والتقاليد والسلوكيات السليمة أو المنحرفة، فهو يتعلَّم الصدق والأمانة والوفاء وغير ذلك من القيم الأخلاقية والإنسانية من البيئة، إذا كان المحيطون به يراعون هذه القيم في أقوالهم وأفعالهم.
أما إذا نشأ في بيئة تتصف بالخداع والكذب والقفز على القيم، فأغلب الظن أنه سيتعلم نفس الاتجاهات والممارسات من ذلك المحيط الفاسد، فالطفل الذي يعيش في وسط لا يساعد على اتجاهات الصدق والتدرب عليه، فإنه يسهل عليه ممارسة الكذب، خصوصا إذا كان يتمتع بالقدرة الكلامية، ولباقة اللسان، وخيال خصب يقدر من خلاله خلق القصص والأكاذيب.
وقد يُلجِأ المربون كالأب أو الأم أو الأساتذة في المدارس الأطفال على الكذب؛ وذلك عندما يرتكب الطفل مخالفة ما وهو يعلم أن العقوبة ستكون قاسية، فيلجأ الى الكذب وإنكار المسؤولية عن فعل ما، وربما اتهام آخرين من أقرانه أو أخوته في المنزل درءا للخطر عن نفسه، ولو تحمل الأبوان أو المربون نتيجة تلك الممارسة لكان ذلك أهون بكثير من تعويد الطفل على عادة عُدَّت في الشريعة مفتاح كل شر، فعن الإمام الحسن العسكري (ع): ((جعلت الخبائث في بيت، وجعل مفتاحه الكذب)) .
وقد يكذب الأطفال وحتى الكبار إذا وجدوا أن الكذب طريق سهل لتحقيق مطالب آباءهم ومدرسيهم أو مجتمعهم، أو تحقيق بعض المكاسب المعنوية لديهم، خصوصا إذا كانت تسود ذلك المجتمع تجارة بيع الكلام، واختلاق البطولات المزيفة، وهؤلاء الذين يمارسون الكذب في مثل هذه الحالات، يحاولون أن لا يكونوا مؤذين للآخرين، بل قد يمارسون الكثير من الأخلاقيات الحسنة للظهور بالمظهر المقبول عند الآخرين، لكن المشكلة أن هذا النمط المتكرر من الكذب يصبح عادة لديهم لا تنفك عنهم!
وقد يكذب الطفل انتقاما من طفل آخر يكرهه أو يغار منه، سواء أكان من داخل الأسرة أو من خارجها، أو يفتري الكذب على الكبار لأنه يعلم أن أهله يكرهونه كبعض الجيران مثلا، فيختلق عليهم الأكاذيب ليكون مرضيا عند أهله، وهو أكثر أنواع الكذب خطرا على الصحة النفسية، وخلقا للمشاكل بين الأهل والأقارب والجيران، ومما يؤسف له أن البعض يأخذ كلام الطفل على محمل الجد، ولا يدع لنفسه فسحة احتمال افتراء طفله على الآخرين، لدرجة تصل عند البعض ادعاء العصمة لأطفالهم، وأنهم أبدا لا يكذبون، وهو نابع بكل تأكيد من الجهل بواقع الطفل ونفسيته.
وربما كذب الأطفال لاختلاط الحقيقة والخيال في أذهانهم، فالأطفال بعمر أربع أو خمس سنوات قد يجهلون الفرق بين الحقيقة والخيال، فيتحدث عن أمور من صنع خياله وهو يظن أنها جزء من الواقع، وهذا أمر طبيعي خصوصا إذا كانوا ممن يستمعون الى القصص والحكايات من ذويهم من أجل المتعة أو عند النوم.
|