(بطل ينصر بطلاً فيسقطان معاً) هل جاء الكتاب المقدس على ذكر العباس بن علي بن أبي طالب (عليه المراضي)؟(1)
تعمدت أن أفتتح هذا المقال – اقتباساً – من البحث الذي سبق ونشرتْهُ هنا في كتابات، الكاتبة إيزابيل بنيامين ماما اشوري، باحثة في علم الللاهوت وكاتبة مسيحية(2) ، لأجيب على نفس السؤال لكن بصورة أدق بعيدة عن تحريف النصوص، بترها وتغيير معانيها.
من هو إرمياء؟
إرمياء النبي، يعرف بالنبي البكاء أو النواح، ولد قبيل نهاية حكم الملك منسى أشر ملوك مملكة يهوذا الذي حكم في الفترة ما بين سنة 696 و 641 قبل ميلاد السيد يسوع المسيح (عليه السلام)(3) . بعث نبياً وهو شاب(4) في السنة الثالثة عشرة لحكم الملك يوشيا في نحو العشرين من عمره(5) . وسمي بالبكاء أو النواح لكثرة نوحه وبكائه على مدينته التي انقض عليها البابليون، فعاثوا فيها فساداً وخراباً، ويبدو ذلك جلياً في سفر المراثي، إذ يقول: أنزل (الرب) من عليائه ناراً على عظامي، ونشر شبكة على أقدامي، ردني إلى الوراء، تاركاً إياي مذهولاً، لا أقوى على الحراك طول اليوم .
بعث إرمياء إلى أمم بني إسرائيل خاصة وإلى الأمم عامة، يدعوهم إلى العودة إلى عبادة الله، وينبيهم ما سيئول إليه حالهم وحال ممالكهم إن هم عصوا أمره(7)(8)(9). .
استهل كاتب السفر معظم إصحاحات السفر، سفر إرمياء، ببيان متعلق أمر الرب، فنراه مثلاً يقول: (هذه كلمة الرب التي أنزلت على إرمياء، عندما أرسل له الملك صدقيا فشحور بن ملكيا وصفنيا بن معسيا الكاهن، قائلاً: ابتهل للرب عنا، من أجل أن الملك نبوخذ نصر أعلن الحرب علينا) (إرمياء 1:21).
وبعد هذه المقدمة المقتضبة، يبدو بُعد ما تفضلت به الكاتبة ماما اشوري في مقالها عن الصواب، إذ أوردت: (من بين هذه الامم أفرد إرمياء ذكر أمة كانت في عهده خاملة لا ذكر لها يصفها الكتاب المقدس بانها غبيّة لانها عبدت الاحجار وربطت مصيرها بمصير حجر اصم لا ينفع نفسه. وهذه الأمة اولعت كثيرا بقتل الصالحين ، والسبب أنها وضعت يدها منذ بداية مجدها بيد اليهود قتلة الانبياء والمصلحين والصالحين فأصبحوا أداة بيد اليهود وإلى هذا اليوم عدا فئة قليلة تفاعلت مع هذا الدين الجديد فاحتضنت الصالحين والأولياء وجعلت لهم كرامة ومجدا وعزا)(10) .
ثم يشرع هذا السفر ببيان أحكام الله بحق الأمم التي لم تستجب لدعوته، ولم تطع أمره ابتداء من الإصحاح الرابع والأربعين، فيفرد إصحاحاً للحكم على اليهود القاطنين في مصر، في مجدل، في تحفنيس، في نوف وفي أرض فتروس(11) ؛ وإصحاحاً للحكم على اليهود الفلسطينيين في غزة(12) . وأفرد إصحاحاً للحكم على مصر وهو الإصحاح السادس والأربعون الذي أشارت إليه ماما اشوري.
بداية هذا الإصحاح تبدي لك بوضوح ما تعمدت تحريفه ماما اشوري في مقالها، إذ لا يتصور لمثلها الغفلة عن تلكم النصوص الصريحة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، والتي تدلك بما لا يقبل التأويل واللبس على زمان ومكان الأحداث التي يتحدث عنها الإصحاح. ولنتتبع معاً كلمات الإصحاح متداركين بعض ما خَبَنَهُ مقال ماما اشوري.
(كلمة الرب التي أنزلت على إرمياء النبي، عن الأمم). وهنا نتوقف قليلاً لتدبر كلمة الأمم. فعند تتبعي لهذا النص باللغات العربية، العبرية والإنجليزية، وجدت كلمة الأمم معرفة. ففي النص العربي، الأمم، وفي الترجمة الإنجليزية The nations، وفي النص العبري העמים (أداة التعريف هنا هو حرف هَيْ ה)، فلا بد أن تكون أفراد الأمم معروفة لدى القاريء سلفاً كي يعرف اللفظ. فمن هي هذه الأمم؟ وبالعودة إلى الإصحاح الرابع والأربعين نجد هذا النص في آيته الأولى: (الكلمة التي أنزلت على إرمياء، عن اليهود الساكنين في أرض مصر، الساكنين في مجدل وفي تحفنحيس، وفي نوف وفي أرض فتروس). وفي الآية الثامنة والعشرين وما بعدها من نفس الإصحاح: (أولئك الفارين من السيف سيرجعون من أرض مصر إلى أرض يهوذا، قليلون عدداً، وسيعلم بقية اليهود الذي أتوا إلى أرض مصر ليسكنوا فيها، كلمتي أم كلمتهم هي الغالبة). ثم يقول: (هكذا يقول الرب، ها أنذا أدفع الفرعون حفرع ملك مصر إلى أيدي أعدائه الطالبين بدمه، كما دفعت صدقيا ملك يهوذا إلى نبوخذ نصر ملك بابل، الذي كان عدواً له وطالباً لدمه). وبهذا أنبأهم بخراب مملكة مصر وقتل فرعون على يد البابليين وملكهم نبوخذ نصر. من هذا يمكننا استخلاص أن الأمم التي يشير لها النص في الإصحاح السادس والأربعين هي هذه الأمم ومصر منها.
نكمل معا قراءة الإصحاح السادس والأربعين: (عن مصر، عن جيش نخو الفرعون، ملك مصر، الذين كانوا على نهر الفرات عند كركميش، الذي هزمه نبوخذ نصر ملك بابل في السنة الرابعة لحكم يهوياقيم بن يوشيا، ملك يهوذا) (إرمياء 2:46).
فالجيوش المتحاربة هي جيش نخو الفرعون المصري، وجيش نبوخذ نصر البابلي، والمكان كركميش، والزمان السنة الرابعة لحكم يهوياقيم بن يوشا. فلا نجد توهماً ولا غموضاً في أحداث هذا الإصحاح كما ادعت ماما اشوري.
وكتبت إيزابيل بنيامين ماما اشوري، "عندما بحثت في المعاجم وجدت أن ((كركميش)) تعني كربلاء ــ ولكن القواميس تذكرها باسم جرابلس ــ او كركيسيون كما يُسميها الروم قديما"(13) . ولم تذكر أياً من هذه القواميس أو المعاجم التي رجعت إليها، وعرضت خارطة بينت فيها موقع كركميش، عند البحث لن تجدها إلا في مقال الكاتبة نفسها الذي نشر في مواقع مختلفة على الشبكة العنكبوتية. وأما القواميس، كما عبرت عنها الكاتبة ماما اشوري، فسأقتبس بعضاً مما اطلعت عليه، ليكون القاريء على بينة.
(كركميش، من مدن الحثيين السحيقة في القدم، على ضفاف نهر الفرات، تعرف بجرابلس، تقع بين البيرة(14) ومنبج(15) )(16).
)كركميش، مدينة تقع فيما يعرف اليوم بجنوب تركيا، على الحدود مع سورية. تقع على الضفة الغربية لنهر الفرات بالقرب من مدينة جرابلس شمال سورية، 61 كيلومتراً إلى الجنوب من غازي عينتاب، تركيا... هذا الموقع الذي يشغل مساحة 93 هيكتار، بدأت عمليات التنقيب في هذا الموقع سنة 1911 واستمرت إلى 1920، على يد ديفيد ج هوجارث، وثم على يد السير ليونارد وولي ..... آخر الأحداث التاريخية المهمة التي حدثت في هذه المنطقة كانت تلك المعركة التي دارت رحاها سنة 605 قبل الميلاد، والتي أجلى فيها الملك البابلي نبوخذ نصر الثاني المصريين من المنطقة)(17).
(كانت كركميش عاصمة مملكة الحثيين في الشمال. فيها التقى جيش البابليين بقيادة نبوخذ نصر بن نبوبلاصر، بجيش الفرعون نخو ملك مصر وهزمه سنة 607 قبل الميلاد)(18).
( يظهر أنها المدينة التي كانت تسيطر على منبع نهر الفرات في بيرة أو بيرة جيك. يظهر أن كركميش هذه هي التي أخذها الفرعون نخو سنة 608 قبل الميلاد، ثم أعادها نبوخذ نصر بعد ثلاث سنوات سنة 605 قبل الميلاد (إرمياء 46: 2) )(19)
) كانت كركميش العاصمة الشمالية للإمبراطورية الحثية، ومركزاً تجارياً كبيراً، وكما يبدو أنها كانت مدينة محصنة تسيطر على رافد نهر الفرات وحركة التجارة القادمة من بلاد ما بين النهرين إلى سورية(20) ). وسأكتفي بهذا في هذه النقطة والتي تفند كل ما ادعته الكاتبة في مقالها.

ولنتابع معاً قراءة باقي الإصحاح، الإصحاح السادس والأربعين: ( أعدوا متاريساً ودروعاً وتقدموا للحرب! أسرجوا الخيل وامتطوها أيها الفرسان! البسوا خوذكم وخذوا مواقعكم! اصقلوا رماحكم، وضعوا الدروع! ما هذا الذي أرى؟ ما لي أراهم مذعورين مولين الأدبار. قد هزم محاربوهم و فروا هاربين لم يلتفوا إلى الخلف فالرعب محيط بهم! كذا قال الرب.
فلا يستطيع الناكص فراراً، ولا المحارب هروباً؛ في الشمال عند نهر الفرات تعثروا وسقطوا ). (إرمياء 46 : 3 - 6)
(انتهى الجزء الأول)
........................
(1 ) (بطل ينصر بطلا فيسقطان معا). هل جاء الكتاب المقدس على ذكر العباس بن علي بن ابي طالب عليه المراضي؟، مقال للكاتبة إيزابيل بنيامين ماما اشوري، نشر في موقع كتابات في الميزان بتاريخ 26/10/2014.
(2 ) ترجمة الكاتبة في موقع كتابات في الميزان.
( 3) Hasting, James (1909). Dictionary of the Bible. New York. Charles Scribner’s Sons.
( 4) سفر إرمياء، الإصحاح الأول، الآية السادسة.
(5 ) سفر إرمياء، الإصحاح الأول، الآية الثانية، والإصحاح الخامس والعشرين، الآية الثالثة.
( 6) سفر المراثي، الإصحاح الأول، الآية الثالثة عشرة.
(7 ) سفر إرمياء، الإصحاح الثاني، الآية الرابعة.
(8 ) سفر إرمياء، الإصحاح الرابع، الآية الخامسة.
( 9) سفر إرمياء، الإصحاح السادس.
(10 ) (بطل ينصر بطلا فيسقطان معا). هل جاء الكتاب المقدس على ذكر العباس بن علي بن ابي طالب عليه المراضي؟، مقال للكاتبة إيزابيل بنيامين ماما اشوري، نشر في موقع كتابات في الميزان بتاريخ 26/10/2014.
(11 ) سفر إرمياء، الإصحاح الرابع والأربعون.
( 12) سفر إرمياء، الإصحاح السابع والأربعون.
(13 ) الحلقة الثانية: نبوءة كتاب الرب المقدس: من هو قتيل شاطئ الفرات؟، مقال للكاتبة إيزابيل بنيامين ماما اشوري، نشر في موقع كتابات في الميزان بتاريخ 16/03/2013.
(14 ) هي مدينة Birecik أو Birejik التركية، تقع ضمن محافظة أورفة Şanlıurfa.
( 15) منبج أو Membij هي مدينة سورية تقع ضمن محافظة حلب.
( 16) Orr, James (1915). The International Standard Bible Encyclopaedia. The Howard-Severance Company.
( 17) الموسوعة البريطانية Encyclopaedia Britannica. https://www.britannica.com/place/Carchemish.
(18 ) Easton, M. G. (1897). A Dictionary of Bible Terms. Thomas Nelson.
(19 ) Smith, William. (2002). Smith’s Bible Dictionary. Grand Rapids.
( 20) Cheyne, T. K. (1899). Encyclopaedia Biblica, A Dictionary of the Bible. The Macmillan Company.
|