لعلّ واحد من ابرز مساوئ الديمقراطية أن الناخبين ليسوا على مستوى واحد في الوعي والمعرفة , فهي تساوي بين صوت العالم والجاهل والحكيم والسفيه , وتفسح المجال للسياسيين الفاسدين بممارسة الغش والخداع والرشوة التي يلجأ إليها هؤلاء السياسيون لشراء الأصوات .
فجهل الناخبين بمن يمثلهم يوّفر الفرصة للمنافقين والفاسدين والطائفيين وأشباه المتعلمين للقفز إلى المواقع الأمامية في الدولة والحكومة , والتجربة الديمقراطية في العراق خير دليل على صحة ما نقول , فهذه التجربة قد أفرزت عن وصول أكثر الناس جهلا وانتهازية وطائفية وفسادا إلى هذه المواقع المتقدمة في الدولة العراقية , ناهيك عن المئات من أشباه المتعلمين الذين ركبوا الموجة الطائفية التي سادت المجتمع العراقي بعد سقوط النظام الديكتاتوري .
ورئيس البرلمان العراقي الحالي هو خير من ركب هذه الموجة الطائفية البغيضة ووصل إلى هذا الموقع المتقدم في الدولة العراقية , فهذا الرجل الذي كان يدعو لنظام مركزي قوي , قد تحوّل تماما وأصبح من المنادين بمشروع نائب الرئيس الأمريكي بايدن الداعي إلى تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم هي الإقليم الكردي والإقليم السني والإقليم الشيعي , وكلنا نتذكر موقف السيد النجيفي في الجلسة الأولى للبرلمان العراقي عندما طالبه أحد أعضاء القائمة العراقية بالانسحاب من الجلسة , فردّ عليه النجيفي أنني رئيس لمجلس نواب يمثل كل العراقيين وليس قائمة واحدة , وحينها صفقّ الحاضرون لهذا الموقف الوطني , لكن وللأسف الشديد إن هذا الموقف لم يصمد إلا دقائق معدودة حتى أعلن انسحابه من الجلسة تضامنا مع أعضاء قائمته الذين انسحبوا من الجلسة .
ومن هذه اللحظة أدرك العراقيون إن هذا الرجل متسلق وطامح للزعامة والرئاسة , فهذا الرجل الذي كان متصديا للنزعات الكردية الانفصالية , أصبح في ليلة وضحاها من الداعين إلى تقسيم العراق إلى فيدراليات طائفية وقومية , فالتصريحات التي أدلى بها في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا , بالدعوة لإنشاء إقليما سنيا قد شكلت صدمة عنيفة لكل الوطنيين في العراق , عدا أكراد العراق الذين سارعوا لتأييده من خلال رئيس برلمان كردستان كمال كركوكي الذي اعتبر تصريحات النجيفي شيء وجيه وجيد , مباركا دعوته لإنشاء إقليما للسنة واستعداده لوضع خبرة كردستان تحت خدمته , وهذه سياسة دأبت عليها القيادات الكردية في دعم أي توجه طائفي يستهدف الوحدة العراقية .
إن هذه التصريحات الطائفية تشكل إساءة لكل أبناء الشعب العراقي والسنة منهم قبل الشيعة , ومما يدعو إلى الدهشة في هذه التصريحات إنها جاءت متزامنة مع تصريحات القيادات الكردية بإعلان الدولة الكردية والانفصال عن الوطن العراقي .
ولو كان السنة مهمشين كما يدعي السيد النجيفي , لما وصل هو وأخيه إلى هذه المواقع التي هم فيها الآن , فالتهميش الحقيقي هو التهميش الذي تعاني منه الكفاءات العراقية المخلصة والنزيهة والتي استبدلت بالنجيفي وأشباه النجيفي من الطائفيين والفاسدين والحاقدين على وحدة الوطن العراقي من قيادات قومية انفصالية إلى قيادات طائفية بغيضة تسعى لتمزيق وتفتيت هذا الوطن .
الدنمارك |