• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : جواد الحطاب اكليله يقمط موسيقى اوجاعه .
                          • الكاتب : د . سهام الشجيري .

جواد الحطاب اكليله يقمط موسيقى اوجاعه

حين تتشلبى اصابع جواد الحطاب على تقاطيع وجه القصيدة اراه يرممها مثل قلبه، ويقفز بها مثل طفولته، كذلك تقفز اشلاء افكاره، فهو يسابق رئته ويتنفس شظاياها، وتومض عينيه طفولة تأبى مغادرة روحه، ذلك أن روحه اطلالة على كتف الوقت مثلما هي ارجوحة شعره ونبرات حروفه، تهيم وسط نوازع الوجع وغربة الانامل، كأنها اكليل من الحرمان البسته الخطايا لامة قداسته، ونزعت من شريان ياسمينه بعض غنجها وقليل من لعنة السياسة التي تلوي رقاب الشعوب، بل لي اذرعها وصناعة ألأمها وتصدير احلامها خارج الروح والجسد، لكنه الحطاب يحمل فأس قناديله ويجدل مدن السؤال، اذ يحنط نخيل أزمنتها، ويسور نباتات أنجمها ويخوض معها مخاض الأجل وترنيمة الهبوط من على صليبه، يبرق بحنان كثيف، فيما ينزع من شريان غصته، وصولجان نزيفه، لافتات نعيه، من قصيدة لاخرى، ومن بيت شعر لاخر تتسع فجوة الكلمات الصادرة من امريكا، والرصاص الذي يتطاير في العراق، هل يحمل الحطاب، اكليل من الاوجاع ويقمط بها جبين الوطن؟، وما الذي ارادنا ان نتذوقه، جثة وطن ام جثة القصيدة؟، لربما كلاهما، الوطن والقصيدة، فكدره الشعري حين تتناوشه مدن منفاه، وهو بعيد يتنفس خطاها: (أما كان يمكن أن ينتهي الدرب في مبتداه).
جواد الحطاب في ديوانه ( اكليل موسيقى على جثة بيانو)، يفغرفاه السؤال في كل قصائده، هو لم يعاقر السياسة يوما لكنه تنفس غرامها مثل كل عراقي، أن عذابها كان غراما، وابتلع ذراتها الموحشات،  وسرت في احلامه العتمة حين (تناثر، تصفيق اجسادنا في الدروب)، هل تعلم القصيدة ان جواد يجيد الحرمان، لا يجيد العتاب؟ وجواد الذي يدوف الوجع بالاناقة يجيد انجاب الشعر كما يجيد المحبة،  لانه من نوع الاطفال اليتامى يأكله الحنين فرغم الماحوله فهو يتيم وطن، مثلما لا يجيد ان يفزع الحمائم، يطلقها من قمقمها، حين يدق المطر بابه، صفق خلفه خشب البراعم وامتهن ندمه ومضى بغرس نابت بين عروقه، غريب عضده يحتال على يده، ينبئه ان التقنية الحديثة يمكن ان تقرب بين مسافات النبض والنبض، بين الغصة والغصة؟ لكنها لا يمكن ان ترسم أهداب وطن، او خصلات شعر صباياه،  تجيد صناعة الموت فقط، اتراه يهجس غصة القصيدة وهي تلوذ تحت ابطيه، أم تغوص باطراف رغبته في العزف فوق سرير الوطن وهو يهادن اورامه القادمة من بلاد بعيدة: (أنا لي، وطن، في وطني، فهل لك في وطني، وطن؟).
والحطاب هنا، مطوق بحمائم اكليله وهو يحمله مثل صليب راهب بين اصداف اضلعه المتراصة، يبحث في اروقة ريش الوطن عن جثة ابنائه فقد ضاع دمهم بين القبائل كذلك نامت القصيدة، واذ يفتح ناب نداءاته السرية، تلفه بعباءة الليل، حيث يوسم الجرح ويستيقظ الطفل في داخله منذ بدأ صلصال الخليقة يمارس التكتم ويلوذ بالبوح فأن لدموع الحطاب صوت ولمحبته رائحة ولوحدته انياب ولحنينه جيوش، وهو بكل اولائي يكتب، ولا يخفي علينا ضماد سفنه، فرست عند ضفاف مداه ويالهدأة سفنه، اذ تغفو بين طيات جمر هلعه وهو يبحث عن موسيقى جنائزية تليق بقامته ذو الستة الاف سنة، فالقصيدة في اكليله المنقوش بخرز الفجر مصدر قوته وضعفه، ضدان يختلجان في سرة روحه.
ويالوحشة الحيطان وهي تلتف حول عنقه، يراها تلوح له باللثم، ويلوح بشظايا شفاهه عل الحيطان تلثمها كما الطيور تلثم سماء حريتها، يندس في صمت الشعر ويصرخ بأناقته المعهودة، وهو يهجس اللظى الذي يسفح عري عشاق الحرية: (ادفعوا عني، ابو غريب، قليلا، اريد أن امدد قلبي)، رأسه يغمس اوجاعه بأمواج رأس الوطن، هده عطش القصف، مطر الحرمان يتساقط بين اكفان انتظاره، واللافتات السود توسمه بالبكاء، الكونكريت المغموس بالقطن الطبي والشاش المنقوع بعري الاصابع هو الاخر حرمه ان يقمط يده بالتداوي، يتصافح مع زنازين خطاه: (تبكي..؟ مدللة جراحك ياجسد عشرون سجانا بخدمتها وأنا أموت ولا أحد).
ومثل الصيادين يجوب غناءه بين نايات لا يعزفن سوى ظله، ويعد اضلعه مثل صدف البحر ولؤلؤ القيامة، وكأنه يقول للكلمات: دعيني التقط حصاك، يا أمي من نبع زنزانتي، اشم مغانم عطرك واطراف وشاحك، وبقايا خصلات غناك فوق سرير طفولتي. الجدران تردد خطواته ومثلها وشمه، يكر مسبحته، يفردها بين دعاء امه وبينه:( اهلنا يسقطون – وقوفا- ولا ينحنون سوى لالتقاط حجر)، يشد من وحدته تضاريس غيابهم، تتموسق اهدابهم، الصراخ لا يليق بقمرهم، ويا لعطراقمارهم حين يزداد جرسه بين أذرعهم ونذور موسيقى اشلاءهم بين اوردته، حين يجود بدمعه، ( كم حسينا يحتاج أطفال العراق الان؟).
يعود ليسأل قصيدته في اختناق: الشوارع ضيقة، المنازل اصغر، والاشجار، وهل الانهار والحيطان والنرجس لها ذاكرة، تجيبه: أية انهار واي نخيل واية حيطان، الا تراها كشفت عورتها للشمس، لا شئ غير التراب الطري، والاسلاك الشائكة، وخطوط النمل المطمئنة: ( ولو أن الكون قد جاء بجيش ملائكة واحتل بلادي قاتلت الكون)، ترى هل تموت المدن بموت اشجارها وانهارها، النهر هذا المارد الذي يشق عصا الصباح، يرتشف منه جواد قهوته على صهوته، ينهال عليه بالتوسل ان يجرب ذلك معه، كان الشعرهناك معه بقامته وهو يغرس يومياته في قلب فندق ابن الهيثم، حين غرس الجسر انيابه في رحم النهر، هوى جواد مع قامة الجسر في غياهبه، بفعل القصف، كان الطيار الذي يقهقه من شدة النصر يرفع صولته باتجاه عصب قصيدة الحطاب وهي تتلوى وتتأوه بفعل الشوق، غايته ان يبقى جليس حضن بغداد حتى انتهاء العصور، لكن الجسر والحطاب مشطا احلام بغداد مثلما مشطت الغربة عشاقهما، (بلادي بلادي... حتى لو كان لديها فرع اخر لن اتركها للامريكان)، وقتها صفق باب سلامه على الفقراء، وحجز يومه لأيواء الوقت، في شتاء عاطل، انه الوطن، ياقمرا في البصرة تلالك يغسلها صباح بغداد، وكأني بالحطاب يصرخ: أين تقاطيع وجه الريح وهي تغزل بريقها من ركضنا فوق جسر الجمهورية وكيف استباح اللظى عناق الكرخ والرصافة حين نهش الحبل السري جسر الصرافية، تباريح خيلاؤها، أينك يا وجه الأرض لم أخفيت تحتك مراعي الهتافات، ومنحت السماء أضراس تحليقها:
 (في هذا الزمن المتهاون ما اسهل ان تصنع بن لادن).
قضم بقايا وطن في جفنه، كان الظلام يتسلل من بين أصابع القصيدة التي شدته لضلع الارض بسمرتها، استضاء بهذيان الألوان المعتمة حوله وغيابها يؤرقه أكثر منها، ويمضي مع عربة الزمن مثل قطرة ندى استقرت على جذع ورقة خضراء لا تسقط أبدا بفعل حلاوة الروح، أتشتاق خطواته، وشوقه مثل مارد زنجي يغلف أيامه، يستحضر حزن المتنبي: (لو كان بعصرك نفط كنا القينا الذنب على الشركات لو كنت تشايع- لينين- أو... العم سام لتقيد قتلك في حقل: صراع الطبقات لكنك، كنت: المتنبي فقتلناك –فقط- كي نعطي رأسك تذكارا للسياح من النحات)، وحين يتهجى انين الجواهري يخاطبه ( أذن دعنا نركن-عمود- الشعر بدائرة – الأثار- لعلك ترتاح، ولو، لموت واحد)، يعمق الوجع ويداوي الجرح بمدية الانتظار، ويشتق زاده من استنباط الحرب وتداعياتها، وهو يبصر فاجعة شهيدة الصحافة  (ضعي - حجابك المدمى-على عين العراق عله يبصر الفاجعة). اتكئ ذات غياب على كتف الوطن تساءلت بلابله عن عرينها وهو يهدهد جنح الليل ووجيب قلوب الامهات يرتق اشلاء ابناءها وتسور الاخرين بالامنيات، وكأنها تتهجى اعمارهم، مدافة بحناء خضر الياس ونهره الذي يطوق حنايا الامهات بالنذور والحجب والامنيات. 
شيطان الشعر الذي يوجسه في اكليله يقبض على تنوره المحنط بالقحط والصبر، ومثل استغاثة اعزل تناثرقرطاسه من بين طيلسانه، كان ينقش صدى انفاسه بين طيات رائحة الوجع، لأن بيانو الحطاب مصنوع من قطرات ترتشف الاحلام الصافية فقط، لكنه هوى بصليب العراقيين جميعا عقابا لقصة الحياة لا الموت، اراد في اكليله ان يخرج من محيط الغيظ الذي يملؤه ككل ابناء جلدته، واراد ان يزيح من غرامه أمكنة الصواريخ واطنان القنابل المحرمة، متوسلا بأيمانه، يجس خافقه ضوع زنجرة الحكام، يجفف امواجهم التي تلاطمت تحت أنات طفولته وهوالمصلوب الذي يحاول ان يبدد سحابات الغضب حين غشى اصابعه الحزينة، كانت السماء والارض ملغومة بالحرب، والحطاب يرمي اصابعه في رحم القصيدة، ويضرب موج الشظايا بذراعيه، ويوزع اكليله على دروب الاحياء، وهو (يضع راسه على  ركبتي وطنه ويبكي).
hadeejalu@yahoo.com



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=10378
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 10 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15