لماذا تتسارع الخُطوات الانفتاحيّة والتطبيعيّة بين إيران والسعوديّة هذه الأيّام؟ وما هي العوامل الستّة التي تُحتّم التّقارب بين البَلدين؟ وهل نَرى روحاني بعد الصّدر في الرّياض قريبًا؟

تَشهد العلاقات السعودية الإيرانية تحسّنًا مُضطّردًا بسبب إدراك المَسؤولين في البلدين بأن التّصعيد والحَملات الإعلامية المُتبادلة، وقَطع كل أنواع الحِوار، تُعطي نتائج عكسيّةٍ مُكلفة.

إعلان السيد محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، مُوافقة الدّولتين على تبادل زيارات الدبلوماسيين، لتفقّد السفارات المُغلقة، ومَنح تأشيرات دُخول للقيام بهذه المُهمّة، يُمكن أن تكون بدايةً لتطبيع العلاقات، وتخفيف حِدّة التوتّر بالتّالي، تمهيدًا لإعادة فَتح السفارات المُغلقة منذ أزمة اقتحام السفارة السعودية عام 2016.

القيادة السعودية التي لجأت إلى التّصعيد ضد إيران، وأكّدت في أكثر من مُناسبة أنها لن تُعيد العلاقات معها، لأنّها مَحكومة من قبل نظام الولي الفقيه، وتُؤمن بعَودة المَهدي المُنتظر، كانت الأكثر مُبادرة في تخفيف حدّة التوتر، عندما أبدت مُرونةً غير مَسبوقةً في المُفاوضات المُتعلّقة بعَودة الحُجّاج الإيرانيين لأداء مَناسكهم، وإنهاء المُقاطعة، وأسقطت العديد من شُروطها في هذا الصّدد، مثل ضرورة حُصولهم على تأشيرات الحج من سفاراتها في دولٍ ثالثة، واستخدام شركات طيران غير الشركة الإيرانية، ومَنحت تأشيرات دُخول لحوالي عشرة دبلوماسيين إيرانيين للإشراف والسّهر على رعاية هؤلاء، وتذليل أي عقبات تقف في طريق أداء فُروضهم.

هذه المُرونة تتناقض كُليًّا مع التصريحات التي أدلى بها الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي في حِواره مع الزميل داوود الشريان في 3  أيار (مايو) الماضي، الذي اتهم فيه إيران بمُحاولة احتلال المناطق المُقدّسة في مكّة المكرمة والمدينة المنورة، وهدّد بالقيام بضربةٍ استباقيّةٍ تنقل الحرب إلى العُمق الإيراني، مُلمّحًا إلى احتمال “تثوير” الأقليّات العربيّة والأذريّة والبلوشيّة ضد النظام الإيراني.

 

***

 

السؤال الذي يَطرح نفسه بقوّة يتعلّق بأسباب هذا الانقلاب التدريجي في المَوقف السعودي تُجاه إيران، ومَيل القيادة السعودية إلى الانفتاح بشكلٍ مُتسارعٍ على “خَصمها” الإيراني؟

للإجابة على هذا السؤال لا بُد من التوقّف عند عدّة تطوّرات رئيسيّة نُوجزها في النّقاط التالية:

 

***

الانفتاح السّعودي على القِيادات الشيعيّة العِراقية الذي كان خطًّا أحمرًا لأكثر من عِشرين عامًا، والاستقبال الحار للسيد مقتدى الصدر في الرياض، وقَبله السيد حيدر العبادي، رئيس الوزراء، كان الطريق الأقصر والأسرع نحو التطبيع مع إيران، وإعلان السيد قاسم الأعرجي ، وزير الداخلية العراقي، والمُقرّب من الحشد الشعبي وإيران معًا، عن طلب السعودية وساطة حُكومته لتحسين العلاقات مع إيران، لم يَكن مُفاجئًا، ولكن المُفاجِئ تَمثّل في نَفي مَسؤولين سعوديين هذا الطّلب الذي أظهر بلادهم في مَظهر من يَسعى بكل طريقةٍ إلى الوساطة في هذا الإطار للتهدئة، وفَتح حِوار مع الخَصم الإقليمي الأخطر والأهم، أي إيران.

هل نحن أمام بداية النّهاية للحَرب بالإنابة التي تخوضها الدّولتان ضد بعضهما البعض في المنطقة، أم أنها مُجرّد هدنة مُؤقّتة ريثما يَلتقط الطّرفان، والسعودي على وَجه الخُصوص، الأنفاس؟

من الصّعب علينا إعطاء إجابةً حاسمةً في هذا الصّدد، فالأُمور في بداياتها، ولكن ما يُمكن قَوله، أن مُفردات مثل “المَجوس″ و”الرّافضة” و”عَبدة النّار” ستَختفي من قاموس الشّتائم، والحَرب الإعلامية بين البلدين في المَرحلة القادمة، ولا نَستبعد أن يَحل الرئيس الإيراني حسن روحاني ضيفًا على القِيادة السعودية في الأشهر القليلة المُقبلة، وبعد اكتمال عمليّة التطبيع الدبلوماسي، وفتح السفارتين الإيرانية في الرياض، والسعودية في طهران.

هل نَحن نغرق في التّفاؤل، وبطريقةٍ مُبالغٍ فيها في هذا المَلف؟ لا نَعتقد ذلك، فمِثل هذه المُقدّمات تُؤدّي إلى هذهِ النتائج، والأيام بيننا.