لم يعرف التاريخ مومسا أحصت الأحضان التي إحتوتها لرجال مرو على غرفتها وتمددوا على سريرها بطرق مختلفة وضاجعوها على هواهم أو على هواها ..
مثل تلك المومس كانت حضارتنا ,أو حضاراتنا ,وقد نختلف في وصف الحال الذي عليه بلاد الرادفين من عصور غابرة والى هذه اللحظة.. هي ليست مومس واحدة مر بها رجال كثر ,وربما كان عدد المومسات (حضارتنا) يفوق الحصر, وجميعها مرت في حضن تاريخ مشوه مشبوه مسخ, وأنتجت تركيبة إجتماعية متقلبة المزاج والسيكلوجيا والسلوك, لا تستقيم على حال حتى يسارع حال جديد لينسف ما سبق ونكون في مواجهة حضارة جديدة بمواصفات مختلفة فكرا وسلوكا ومعمارا ونهجا, فلا نعود نجد وصلا بينها وتلك التي سبقت بكل ما فيها من تكوين إجتماعي وإقتصادي وسياسي وعقائدي وبناء معماري وطرق إدارة في مجالات حياة مختلفة, ثم تؤسس الحضارة التالية لتتفرد في كل شيء وهو طبع سيء إنتقل الى الأفراد الذين يحكمون ويستولون على السلطة في إنقلاب عسكري كعادة العراقيين من عقود, أو عبر الإنتخابات حتى, فالحاكم الجديد يلغي ما سبق, ويفوض رجاله من كتاب وصحفيين وعلماء دين وإجتماع وإقتصاد ليؤسسوا لنظريات جديدة تعتمد فكره النهضوي! وتطمس كل ما سبق, ثم تربط بين وجوده المتفرد وحضارة غابرة قد يكون مضى عليها خمسة آلاف عام ..
العراقيون لا يعلمون تحديدا الى أي حضارة ينتسبون ؟ فمع تعدد الحضارات من سومر في الجنوب القصي ,الى بابل في الفرات الأوسط, وصعودا الى الشمال حيث آشور العظيمة, لا يجدون انهم ينتسبون لواحدة منها. فأبناء الجنوب الذين يكافحون من أجل إثبات عدم صلتهم بالقارة الهندية لا يملكون الدليل على إنهم أخلاف لحضارة سومر القديمة ,بينما ترى قبائل عربية إنها نزحت من قرون مضت من بلاد اليمن ,أو جزيرة العرب الى وسط وجنوب العراق وغربه ,ولا صلة لها بما مضى من حضارات لأقوام قدمت من أقاصي آسيا ,أو من إيران وتركيا ,ثم إنقرضت .
وفي هذا التنوع ثراء.. لكن ما نفعل بحضارة الطين التي تأكلها الرياح والأمطار ,ولا يعود لها من وجود, ولا يبقى سوى ما ندعيه من أمجاد زائفة لا تصمد في مواجهة الواقع, ومع وجود شعب يفصل في سلوكه وسيكولوجيته بين حاضره وماضيه ,ولا يأخذ من ذلك الماضي إلا الإرث البال من أفكار وعقائد تتصارع وتتناطح كثيران هائجة تدمي بعضها البعض في حلبة النزال .
وإذا كان من حضارة واعية وصانعة فأين الأثر الذي تركته في شعب يخرب ويفسد ويتصارع على وجوده الطائفي والقومي, ولا يعرف سبيلا الى المستقبل سوى أن يكون منقسما أو متفدرللا ,أو تحت سطوة الإحتلال أو التدخل الأقليمي أو عدم الفهم الداخلي لطبيعة الأوضاع, والى ما تتجه, وكيف يأخذ بقياد البلاد, وهي علل يصعب فكها ,أو التنبؤ بطرق ناجعة لحلها ..
hadeejalu@yahoo.com |