لم يكن نابليون بونابرت يستند قوته من اقتصاد فرنسا الذي وضع بين يد الامبراطور ولا بالفيالق التي كانت بأمرته ولا بصعوده من ضابط الى امبراطور ولا من عبقريته الاستراتيجية - التكتيكية فحسب ، بل كما قال هو من احلام جنوده النائمين !
ولان الكلمات لها مظهرها الخادع كما في كثير من المواعض او من الاناشيد او رسائل العشاق . فأن نابليون لم يكن محللا نفسيا او مراقبا لأحلام جنوده النائمين من الداخل فحسب ، بل كان يعمل على تفكيك تلك الاحلام للانتقال منها - كأشارات - الى فضاء الحركة و قلب معادلة المستحيلات الى ممكنات و استبدال الامنيات والانتظار بالوقائع والتطبيقات والافعال .
اننا - عمليا - نلفت النضر الى المركز - الامبراطور - من غير اشارة الى الكتل البشرية وما كانت تحلم ان تحققه وقد اصبحت طوع يديه فالحرب ليست نزهة او مسرحية او حكاية ترويها الفضائيات . انها ازمنة عصيبة يتخلى فيها الانسان عن ( مودته ) نحو : اقتل قبل ان تقتل ولعل خسائر الامبراطور المتعاقبة التي افضت به الى المنفى و الموت تكفي للتحدث عن انتصارات وهمية بعد ان هدر الدم الفرنسي في الاراضي التي وطئتها اقدام هؤلاء الجنود النائمين !
في مشهدنا الدولي والعربي ... وفي بلدنا هل ثمة قادة يستمدون خططهم من احلام شعوبهم النائمة ام لم تعد لمظاهر الكلمات الخداعة قيمة تذكر ؟
الفضائيات ككل وسائل الخطاب لا تخفي مصادر حضورها ، بل وعبقرية هذا الحضور في الحفاظ على زخم التناحر و التصادم بأي شكل من الاشكال : من الاديولوجيات الى القومية ومن الدين الى الحضاري ! فالاقوى عمليا من يمتلك : المال و تقنيات الاسلحة والاعلام . والاضعف يبقى يتخبط بما يصدر عنه من انين .. او عويل .. او تحمل !!
وهذه هي المعادلة بعيدا عن ( غوايات ) الكلمات وسحرها وجاذبيتها : ثمت انتصارات - كأنتصارات نابليون او هتلر او اي زعيم اخر - ليس بأستطاعتها ان تتستر على الوجه الاخر لها : دماء الارواح البشرية وتدمير ممتلكات الشعوب وايقاف نموها المعرفي بل والانساني ...
مع ذلك فالمشهد المحلي عندما يتسائل الناس : متى تبدأ الحياة ؟ لا نجد اجابة توازي الازمنة التي استنزفت حياتهم .. واحلامهم .. ومواردهم . من اجل آمال مؤجلة ! فالوعود تعقبها الوعود .. والمؤتمرات تتعاقب ، بعد ان كف الذين كانو يمثلون عملية التغيير عن التوحد ... وعن المصالحة ... وعن الشراكة ايضا !
والسؤال : اية قوة كامنة معلنة او لا مرئية تكمن وراء تأجج الصراع بأشكاله كافة ، من زعزة الامن .. الى ضعف الخدمات .. والى شغف التصريحات وفتنتها و اية قوة - هي - هذه التي لا تدع غالبية السكان يحلمون ! كي نجد من يتعرف عليها ويعالجها بحكمة ، بدل ترك خاتمة التناحر تحافظ على ديمومتها .... وفي الغالب : على ديناميتها !
|